الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

دراسة إدمان عادة الاستهلاك والإسراف في مجتمعاتنا




دراسة إدمان عادة الاستهلاك والإسراف في مجتمعاتنا
الباحث التربوي والاجتماعي : عباس سبتي
يناير 2012

مقدمة :
      عادة الاستهلاك أصبحت سلبية لا يشعر بها الغني ولا الفقير وكلاهما يمارس عادة الاستهلاك  في عصر العولمة والتكنولوجيا ، وإذا كان الفقير قديماً يعيش أماني وتطلعات الغني وقد يحشر مع الغني في الآخرة  كما يفهم من بعض آيات القرآن الكريم على الرغم من أن الفقير ليس لديه صفة الإجرام كما لدى المستكبر المترف، بينما الفقير في عصرنا الحاضر أصبح من المبذرين والمسرفين نتيجة لعادة الاستهلاك التي تعود عليها إلى درجة الإدمان .

إدمان الاستهلاك :
     يقصد إدمان الاستهلاك أن الإنسان الحاضر يستهلك أكثر من حاجته ، ولا يستطيع أن يتخلى عن عادة الإستهلاك والإسراف  ولذا يصبح مبذراً أو مسرفاً ، ولعل هناك قوى توحي لهذا لإنسان إدمان الاستهلاك ـ ونقصد بهذه القوى الأخطبوط الذي ينشر سمومه في كل مكان ويتجرعها كل إنسان كما بالنسبة لشركات الدعاية والأعلام الكبرى ، ونتيجة للتطور التكنولوجي وإخضاعه للغور في خبايا الإنسان والتلاعب في طبيعة النفس الإنسانية فإن الإنسان يصبح طيعة وألعوبة يخضع لرغبات أصحاب الشركات الذين يمتصون أموال المستهلكين ليزدادوا ثراء وثروة ، لذا تجد في عصرنا الحاضر يزداد أصحاب المليارات غنى بينما يزداد الفقراء فقراً , وكما أن المدمن على المخدرات أسير تجار المخدرات ومروجيها فان الإنسان المستهلك يصرف كل ما يملك لكي يستهلك ما تحبه نفسه لأنه أصبح أسير إيحاءات وسائل الإعلان والدعاية ، وأسير هوى نفسه ويلبي رغبات تجار السلع والكماليات , إذ أن هذه السلع والكماليات بل الضروريات لأنه ليس هناك كماليات في عصر الاستهلاك فأنها ذات أسعار متفاوتة يتمكن منها  كل إنسان الفقير ومتوسط الحال وميسر الحال شراءها .
     نبه القرآن الكريم إلى أضرار الإسراف في الضروريات كالأكل والشرب  لأن هذا الإسراف يصبح إدماناً مما يعني أن المستهلك يستهلك أكثر من حاجة جسمه ، ليس فقط الإسراف في المواد الغذائية والمشروبات بل وغيرها .
     حتى أن الدراسات في إحدى الدول الخليجية قد أشارت إلى أن 45% من حجم القمامة عبارة عن المواد الغذائية أساء الإنسان في صرفها واستخدامها خاصة وتزيد كميات المواد المستهلكة بطريقة غير سليمة عن حدها في بعض المناسبات والأعياد والاحتفالات والولائم .      
     لكن في العصر الحاضر شمل الاستهلاك المفرط والإسراف كل مناحي وأجزاء الحياة في المأكل والمشرب والمسكن والملبس والأثاث والمركب ...إلخ .
    حتى ظهرت عند بعض الكتاب والباحثين مفاهيم جديدة تخص موضوعنا مثل التخمة الاستهلاكية والاستهلاك الشره وإدمان الشراء والأنماط البذخية والاستهلاكية وعادة الصرف غير الموجه ، والعقلية الاستهلاكية ، وهذا يدل على وجود ظاهرة إدمان الاستهلاك عند الإنسان المعاصر لا يشعر بها هذا الإنسان كما أن المدمن على التدخين أو المخدرات لا يشعر بهذا الإدمان .
     ونتيجة لبعض الدراسات الاجتماعية فأن عادة الاستهلاك والإسراف جعل الآباء يعيشون في قلق بسبب طلبات الأولاد وتأصل عادة الاستهلاك إلى درجة الإدمان فيهم  وما يمثل هذا الإدمان من الضغط على دخل الأسرة إلى درجة الاستقراض واستخدام بطاقة الائتمان وتراكم الديون على كاهل الآباء .

أسباب الإدمان على الاستهلاك : 
     توجد أسباب عديدة ليس فقط على مستوى الدولة الواحدة بل على مستوى العالم من مثل وسائل الإعلان والدعايات التي تصور للإنسان الجنة المفقودة إلى جانب تغيير تفكير الإنسان من أن يفكر بالأمور الكبيرة إلى التفكير في الأكل والشرب وغيرهما  وهذا التفكير صنعه أصحاب النفوذ والدعايات والماركات لسلب الأموال من أصحابها وترويج منتجاتهم في الأسواق الاستهلاكية ، لذا الإنسان في أي مكان ومن أي عرق وجنس فقيرا كان أو غنياً فهو إنسان مستهلك .

     1- تغيير سلوك الإنسان :
     تشير الدراسات في علم النفس السلوكي على إمكانية تغيير سلوك الإنسان وخاصة سلوك الاستهلاك حسب رغبة أصحاب الشركات التسويقية ، بعد إجراءات الدراسات على حاجات ورغبات المستهلكين خاصة صغار السن الذين لهم رغبات يحققها لهم الكبار ـ فهذه الحاجات الكامنة في باطن الإنسان يثيرها أصحاب الشركات كي يشعر بها الإنسان ومن ثم يحاول إشباعها من خلال نشر ثقافة الاستهلاك ، وأشارت الدراسات لرصد ثقافة  الاستهلاك أن ارتفاع دخل الفرد يعني زيادة في استهلاكه للغذاء ، لكن يتبين أن الفقير يستهلك ويكون مدمناً كالغني في استهلاك بعض السلع إلى درجة الإدمان .

     2- إيجاد أسواق استهلاكية :
     اختلفت طبيعة الاستعمار في استنزاف ثروات الشعوب الضعيفة بان جعل الاستعمار من الشعوب شعوباً مستهلكة ، كي يروج الاستعمار سلعه وعلى الرغم من وجود ثروات طبيعية أو مواد خام في هذه الدول المستهلكة فأن شعوبها لا يستطيعون تصنيعها فيأتي دور المستعمر لينهب هذه الثروات ويصنعها ثم يبيعها على هذه الدول ، وكل ذلك من أجل جعل هذه الدول غير منتجة ولا مصنعة للتقنية .

     3- مادة الكوفيين :
     هذه المادة تحبب للنفس سلعة ما ( طعام ، شراب ......) ، حتى لا تستطيع النفس الخلي عن هذه السلعة بسهولة ، ولعل أصحاب الصناعات الغذائية قد استفادوا من إضافة هذه المادة في تركيبة السلع الغذائية كي تدمن النفس على التداوم في تناول هذه المأكولات والمشروبات .

     4- مناسبة سعر السلعة :
     في دراسة سلوك الإنسان الاستهلاكي يتبين عوامل تتحكم في هذا السلوك منها جودة السلعة ومدى إشباعها لحاجة الإنسان وأهمها سعر السلعة ، فأن مستهلكي السلع يتعددون بتعدد دخولهم ، لذا لكي تبقى ثقافة الاستهلاك نامية ومتأججة في نفوس المستهلكين فأن أصحاب السلع يصنعون سلعاً ذات أسعار متفاوتة كي تلبي احتياجات أصحاب كل الدخول .
 
علاج السلوك الاستهلاكي المدمن :
     أصبح الإنسان الخليجي كأي إنسان في العالم مستهلكاً يحتاج إلى ضبط عادة الاستهلاك وجعلها عادة لا تصل إلى درجة الإدمان ، ولعل الدراسات المتعددة في هذا المجال قد بينت أسباب وخطورة الإدمان على الاستهلاك إلا أن قلة منها قدمت العلاج ، ولعل عدم وجود تنسيق بين الجهات التي تدق ناقوس الخطر الاستهلاكي وراء تفاقم هذا الخطر ووصوله إلى درجة الإدمان ، إلى جانب عدم التصدي المسئول وبذل الجهود من كافة الجهات الحكومية والأهلية من أجهزة الأعلام والصحافة  ، وراء قلة  وعي المستهلك بخطورة هذا الخطر .

هذه بعض الطرق العلاجية للاستهلاك المدمن :
     على مستوى الفرد :
     أن يفكر بنفسه ويعرف هدفه في الحياة خاصة الكبار وبالتالي يربوا أبناءهم على أن للإنسان هدف في الحياة الدنيا ، وأنه إنسان له رسالة وليس حيواناً همه الأكل .
     التزام الإنسان صغيراً وكبيراً بالوجبات الثلاث يومياً فقط لضبط استهلاك الأكل والشرب وترشيدهما ، وعدم الشراء أكثر من الحاجة للحد من إدمان الاستهلاك .

     على مستوى الأسرة :
     تعويد الأبناء على أكل المنزل وتقليل اصطحابهم إلى مطاعم الوجبات السريعة بعد أن أثبتت الدراسات خطورة هذه الوجبات على صحة الأبناء منها مرض السمنة .
     توعية الأبناء على حرمة الإسراف دينياً وتخصيص جزء من الطعام والملبس للفقراء ، وهذا يؤدي إلى تعود الأبناء على إشباع حاجة الجوع فقط وليس إشباع حاجة الاستهلاك ( التخمة ) .
     توعية الخدم بالمنزل لترشيد الماء والكهرباء وعدم الإكثار من طبخ الأطعمة التي يكون مصيرها أوعية وصناديق القمامة .

     على مستوى المدرسة :
     إدخال ثقافة الاستهلاك وترشيده في المناهج الدراسية .
     توعية الأبناء بأضرار الوجبات السريعة وتقديم البدائل من الأكلات الصحية المفيدة
إجراء الدراسات الميدانية ليتعرف الطلاب على أخطار إدمان الاستهلاك .

     على مستوى الدولة :
     بث الوعي الاستهلاكي والترشيد والاقتصاد من خلال البرامج في التلفاز والمذياع .
     تشجيع الأسر على ضبط الإنفاق الشهري  لديها لزيادة الترشيد الاستهلاكي .
     تشجيع الأفراد على الادخار .
     محاربة التباهي والغرور النفسي والحث على التواضع والبساطة على مستوى الفرد والجماعات .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق