الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

تاريخ النبوات الكبرى _2




مفهوم الشعب المختار :
     يقول تعالى :" وهو فضلكم على العالمين " ( البقرة/122 والأعراف/ 140) على لسان النبي موسى لبني إسرائيل بعد ان أمروه ان يجعل لهم أصناماً مثل القوم الذين مروا عليهم بعد ان انقذهم تعالى من فرعون وجنوده( ( الأعراف/ 138) واستطاع الجيل الذي تربى في التيه ان يفتح الأرض المقدسة وتكونت دولة يحكمها الأنبياء من بني إسرائيل ومن مهام هذه الدولة نشر التوحيد ومحاربة الشرك بالمناطق المجاورة لبني إسرائيل ، وكان الوضع الدولي مهيئاً أن يعلب بني إسرائيل دور الشعب المختار ، بعد موت فرعون كانت مصر تعيش في فوضى سياسية سيئة إلى درجة اعتلى شخصاً أجنبياً عرش مصر ، وفي هذه الأثناء انفصلت بلاد الشام عن مصر ، وفي الشرق انفصلت الدولة الأشورية عن البابليين في شمال العراق وظهر التنافس بين البابليين والأشوريين والعيلاميين في إيران ، وضعفت دولة أشور في حدود 1115ق.م وتعرضت أشور وبابل إلى هجمات من قبائل الآراميين حتى سنة 911ق.م ( 73) ولما حكم داود كان هدفه المحافظة على الدولة العبرية ونشر الهداية وهكذا في زمن سليمان النبي  ، لكن اليهود تقاعسوا بعد النبي سليمان فجاء بعد سليمان أنبياء ليحافظا على الديانة وتصدوا للفكر الأغريقي الوثني .
     مفهوم " الشعب المختار " يرتبط بالرغبة الإلهية في إعطاء ومنح هذا المفهوم لأمة ما أو لشعب ما  إذا أخلص لله وقام بنشر الدين ، لذا لما تقاعس اليهود عن دورهم الديني سلب منهم تعالى هذا المفهوم وأعطاه لأمة الإسلام كما في قوله تعالى :" كنتم خير أمة أخرجت للناس " ( آل عمران/ 110)  ، وقد يتبادر إلى الذهن السؤال : كيف منح تعالى الأفضلية لبني إسرائيل وغالبيتهم متأثرة بعقائد الأقوام الوثنية ؟ الجواب منح تعالى الأفضلية والخيرية لأفراد منهم الأنبياء الذين يعتبرون قدوة في بني إسرائيل ، ولعل هذه الأفضلية جاءت نتيجة كثرة الأنبياء في بني إسرائيل ودورهم في نشر الهداية والتصدي للشرك والوثنية ( 74) .

حركة أنبياء بني إسرائيل :
     يعتبر الأنبياء في بني إسرائيل الصفوة التي قادت اليهود نحو طريق الهداية خاصة الأنبياء الذين جاءوا بعد داود وسليمان وبعد انقسام دولة النبي سليمان ، يعتبر ( عاموس) اول الأنبياء ظهوراً بعد قيام المملكتين اليهوديتين ، ظهر هذا النبي قبل سنة 750ق.م وأخذ يدعو إلى الإله الواحد والتحلي بالأخلاق الفاضلة بعد ان ساد الفساد الخلقي ( الشذوذ الجنسي) بأمة بني إسرائيل ، وبعد تأثرها بالوثنية ، فأخذ هذا النبي يندد وينذرها بعاقبة الانحراف وان العقاب الإلهي سوف يحل لا محالة على الأشراف والكهنة وحاشية الملك ن وكان يهدد بسقوط المملكتين وتنبأ ان بني إسرائيل سوف يصبحون أسرى وعبيد بيد الكفار ( 75) .
     ظهر نبي آخر وهو النبي ( أشعيا الأول ) بعد النبي ( عاموس) حوالى 725ق.م وعاصر هذا النبي حصار ( سامرة) عاصمة مملكة إسرائيل وسقوطها على يد الأشوريين وقد طلب هذا النبي من ملك ( يهوذا ) ان يقف موقف حياد أثناء الحصار كي لا تسقط مملكته ، وذلك يعلم هذا النبي انه لا فائدة من الوقوف أمام عدو وقوي ، وان ذلك عقاب لإنحراف اليهود وبعدهم عن التعاليم الإلهية ، فكان دور ( أشعيا ) النبي هو المحافظة على مملكة يهوذا من السقوط بيد الأعداء والمحافظة على البقية المؤمنة ، ونجح أشعيا في رفع الحصار عن مملكة يهوذا حوالى701ق.م ودفع ملكهم الجزية للأشوريين  ، وجاء بعد النبي ( أشعيا الأول ) النبي ( أرميا) وعاصر سقوط ( أورشليم) عاصمة مملكة (يهوذا) وقبل ان تسقط على يد البابليين أخذ النبي ( أمرميا) يندد بحياة الترف والفساد التي عاشها المجتمع اليهودي وتنبأ بسقوط ( أورشليم) مثلما سقطت ( سامرة) عاصمة مملكة إسرائيل ، وأن الغضب الإلهي سوف يحل بالإسرائيليين ، لكن اليهود كادوا ان يقتلوه إلا أنه هرب منهم ، وبعد أيام قبضوا عليه ووضعوه في بئر مليئة بالوحل إلى ان خفف الملك (صدقيا) عنه هذا العذاب فربطوه بفناء القصر ، وعندما احتل البابليون مملكة ( يهوذا) عام 586ق. م احسن هؤلاء إليه وذهب مع الأسرى إلى بابل ، وأخذ بنشر تعاليم الدين بين يدي الأسرى وتنبا بمجيء المسيح المنتظر ، ولهذا النبي سفر اسمه سفر ( أرميا) وفيه تنبؤات ومواعظ ، وأدخل في هذا السفر تحريفات من قبل الكهنة بعده ، هذا وعرف هذا النبي بالسلام وعدم استعمال العنف ضد الخصوم وكان يهدف من وراء ذلك المحافظة على اتباعه ، وبشر بني إسرائيل بالعودة إلى أرض الميعاد ( الأرض المقدسة ) من جديد ( 76) .
     جاء النبي ( أشعيا الثاني ) إلى بني إسرائيل وبشر هو بالعودة إلى الأرض المقدسة وحاول ان يرفع الآلام النفسية والمعنويات عن نفوس الإسرائيليين ، ويلوم على المترفين والمقصرين منهم ، وذكرهم ان الرب لا دخل له بتردي اوضاعهم وإنما يتحمل الإنسان وزر عمله ، وانتقد بعض الكهنة الذين حرفوا الأسفار و ( التوراة ) ( 77) .
     لقد قامت حركة الأنبياء بأعمال جليلة منها منع عملية الاندماج في الدين الكنعاني الوثني أيام النبي ( عاموس وأشعيا الأول ) من خلال المحافظة على شريعة النبي ( موسى) وكذلك كتابة الأسفار المقدسة في السر البابلي بعد ظهور الكهنة وتحريفهم ( التوراة ) ، وأيضا المحافظة على اهوية لأمة  من الضياع أثناء التنافس الدولي على بلاد الشام وتربية الأمة على الصمود أمام الأزمات ، وتكوين رؤية واضحة عن فلسفة التاريخ خاصة بزوال النعم عندما يعم الفساد والانحلال الخلقي ، والوقوف أمام التيار الفلسفي الأغريقي ومقاومة السلوقيين .
     ظهر علماء في بني إسرائيل خلفاً عن الأنبياء ، وذلك بعد ان تربت امة بني إسرائيل في الأسر في بابل ، واتبعت هذه الأمة اتباع الأنبياء وأوصيائهم ، ويسمون بالعلماء ، وكان دورهم واضحاً ضد تيارات الكفر والشرك وبالذات الأفكار التي ظهرت في بلاد اليونان ، حيث طرح بعض فلاسفتها فكرة فدرة العقل والفكر على فهم الحياة والإنسان وأنكروا دور المغيبات والتوحيد والنبوة ، ولو ان هناك بعض الإشارات من بعض الفلاسفة من اقر بالتوحيد ، قال المؤرخ ( برستيد) عن (سقراط) أنه يشعر مثل الأنبياء العبرانيين بصوت إلهي داخله ( الإلهام) يدعوه إلى العمل الشريف وهو نشر الفضيلة ( 78) .
     كان القرن الثاني قبل الميلاد وما بعده يسمى بعصر الحرية العقلية في بلاد اليونان وان العقل هو كل شيء في الحياة خاصة أيام الملك ( أنطيوخس أبيفانس السلجوقي ( 175-164ق.م ) الذي سيطر على بلاد الشام وفرض على
أهلها عقيدة الوثنية اليونانية ، فأحسن علماء بني إسرائيل بمسئولياتهم اتجاه التيار الوثني فقاوموه ، مما حدى ( أانطيوخس) بهدم هيكل ( سليمان النبي ) أي المعبد ، وقتل الكثير من اليهود ، وقاوم اليهود سلطته  ، فظهرت مقاومة مسلحة بقيادة ( يهوذا المكابي ) ضد السلوقيين والتجأ إلى الجبال وأخذ يشن حرب العصابات ضدهم ، وتمكن ان ينتصر عليهم ويحصل على الحكم الذاتي في ( أورشليم) فظهرت الأسرة المكابية التي حكمت ما بين 167-63ق.م إلى أن سقطت دويلتهم على يد الرومان سنة 63ق.م( 79) .

تاريخ التوراة :
     التوراة كتاب سماوي إلا أن التحريف قد طاله على يد الكهنة من بني إسرائيل عندما وضعوا الأسفار المحرفة ، كلمة ( الكاهن ) تعني في اللغة : الإنسان الذي يتنبأ بالمغيبات ، وقد ارتبط الكهنة بدور العبادة على مر الزمان مما جعلهم يمارسون بعض ادوار الأنبياء وبالذات التنبؤ بالأمور الغيبية ، لذا اتهم الأنبياء بأنهم كهنة من قبل أقوامهم ، ولم يظهر الكهنة ودورهم أيام النبي ادريس ولكن وبعد كثرة ذرية آدم ، ظهر الكاهن وأخذ يساعد النبي في التوجيه والإرشاد وبعد ظهور الملكية وسيطرة الفجار وأصحاب الأهواء على زمام الأمور ، أخذ الكهنة يتقربون إليهم ويحرفون تعاليم السماء لإرضاء فئة المترفين مما يعني ان الكهنة اخذوا يحاربون الأنبياء .
     ظهر الكهنة في بني إسرائيل بعد تقسيم مملكة النبي ( سليمان ) وكان في كل مملكة كهنة ،و كان معظم الكهنة من نسل ( ليفي) احد أبناء النبي ( يعقوب) وكان دور الكهنة إضفاء الصفة الشرعية لحملة العرش وتقديم القرابين والإشراف على الطقوس الجنائزية ومشافاة المرضى والإعفاء عن الضرائب لأنهم حراس دور العبادة مما ساعدهم على جمع الثروات فزادت ممتلكاتهم ( سورة التوبة / 34) فانتقدهم الأنبياء وحاربوهم كما حاربوا المفسدين في الأرض  ، وكان دور الكهنة واضحاً في تحريف ( التوراة ) ، والتوراة تعني الشريعة او التعاليم الدينية التي نزلت على النبي ( موسى) وتقسم التوراة إلى (39) سفراً ، وتسمى هذه الأسفار ( العهد القديم ) للتفرقة بينها وبين ما اعتمد النصارى على تسميته ب ( العهد الجديد ) الذ يتناول تعاليم السيد المسيح النبي ( عيسى)  ، وكل من العهدين ( القديم والجديد) يسمى ب ( الكتاب المقدس) إلا أن الأسفار الخمسة الأولى يطلق عليها اسم ( التوراة ) وهي:

1- سفر التكوين او الخلق : وفيه ذكر خلق السموات والأرض وقصة الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم إلى النبي يوسف .

2- سفر الخروج : يتناول تاريخ بني إسرائيل في مصر وكيف خرجوا منها وقصة التيه ووفاة النبي موسى وهارون .

3- سفر التثنية: وهو عبارة عن تعاليم تدور حول الشئون التشريعية والاقتصادية والسياسية الخاصة ببني إسرائيل .

4- سفر اللاويين : ويدور حول شئون العبادات والطقوس والعياد واللاويون من نسل ( لاوي ) احد أبناء النبي يعقوب ويعتبرون انفسهم سدنة الهيكل وحفظة الشريعة .

5- سفر العدد: ويدور حول تقسيم بني إسرائيل وتعدد أسباطهم وجيوشهم وأموالهم وفيه بعض احكام العبادات والمعاملات .

     أما بقية الأسفار فهي تنسب إلى أشخاص او أحداث مثل : يشوع – القضاة- راعوث – صمئيل الأول – صموئيل الثاني – الملوك الأول – الملوك الثاني – اخبار الأيام الأول – أخبار الأيام الثاني – عزرا- نحميا- - أستير – أيوب – المزامير – الأمثال- الجامعة – نشيد الأناشيد – أشعيا – أرميا – مراثي أرميا- حزقيل- هوشع – يوئيل – عاموس – يونان ميخا – ناحوم – حيقون – صفتيا – حجى – ملاحي .
     كل هذه الأسفار معتمدة لدى الكنيسة البروتستانية والكاثولوكية ، إلا ان الكاثولوكية تضيف أسفاراً اخرى مثل : طوبيا – يهودية – الحكمة – يسوع بن سيراخ – باروح – المكابيين الأول – المكابيين الثاني  ، لذا بعد إضافة هذه الأسفار الأخير يبلغ عدد الأسفار حوالى (46) سفراً ( 80) .
     دور الكهنة في تحريف التوراة كان واضحاً ، إذ اتفق معظم المؤرخين الغربيين على ان الكتاب المقدس ( التوراة والإنجيل) من وضع رجال الدين ( اليهود والنصارى ) وليس من وضع السماء ( الوحي ) لما يحويه هذاا لكتاب من تناقضات واخطاء تاريخية وتشويه شخصيات الأنبياء ، وإن سند التوراة لا يرجع إلى النبي موسى مباشرة إذ يذكر سفر التثنية موت موسى وهذا يدل على ان كتابة بعض اجزاء التوراة كانت بعد موسى ، واستدل بعض المؤرخين على ان سفر التثنية قد ألف في أواخر القرن السابع قبل الميلاد وان سفر التكوين وسفر الخروج قد ألفا حوالى القرن التاسع قبل الميلاد وسفر العدد قد ألف في القرن الثامن قبل الميلاد وهذه الأسفار الخمسة الأولى تسمى توراة موسى ، أما بقية الأسفار فقد دونت بعد ذلك بازمنة متلاحقة ثم دمجت هذه الأسفار كلها في القرن الثاني قبل الميلاد أي إلى عهد المكابيين الذين حكموا أورشليم 167-63ق.م .
     وأما أقدم نصوص التوراة فقد اكتشفت بالصدفة بقرب وادي قمران على الساحل الغربي من جهة الشمال من البحر الميت وتحتوي على سفر ( أشعيا ) ، و عثر في كهوف اخرى من نفس المنطقة  على اجزاء من سفر اللاويين والمزامير والأيوب وكلها كتبت باللغة الآرامية ، وتعود إلى القرنين الأخرين قبل الميلاد ، وأقدم ترجمة للتوراة وتعرف بالترجمة السبعينية نسبة إلى (72) كانوا قد أشرفوا على ترجمة التوراة من العبرية إلى اليونانية تلبية بامر من ( بطليوموس فلادلفوس  , 280-247ق.م ) الحاكم اليوناني في الاسكندرية في حدود 250ق.م وترجمت هذه التوراة إلى اللغة اللاتينية في القرن الأول بعد الميلاد وبالذات الأسفار الخمسة الأولى ، وأما التوراة المتداولة في الغرب فهي التوراة التي ترجمت من العبرية إلى اليونانية ، وأقدم ترجمة للتوراة من العبرية إلى اللغة العربية فترجع إلى عصر الرشيد العباسي ، وأن أحمد بن عبالله بن سلام قام بترجمتها كما أشار ابن النديم في ( الفهرست) وذكر المسعودي أن حنين بن اسحاق النسطوري المتوفى 260هـ قد اعتمد في ترجمة التوراة من الترجمة اليونانية ، وأما التوراة الأصلية فقد جاء اول ذكرها في منتصف القرن الحادي عشر قبل الميلادي عندما قام بنو إسرائيل بالهجوم على الفلسطينيين ، وأخذ الفلسطينيين تابوت العهد وهو يحوي على التوراة الأصلية التي ترجع إلى زمن الملك داود ووضعه بعد لك سليمان في الهيكل ، وأن عدم وجود التوراة الأصلية جعل الكهنة يكتبون الأسفار ويزعمون انها التوراة  فظهرت التوراة المحرفة بين الناس وساعدتهم السلطات اليونانية والسلطات الرومانية في نشرها ، وأما التلمود فهو عبارة عن شروح كتبها الحاخامات اليهود وقد طبعت نسخته الأولى في البندقية عام 1522م ، والتلمود فيه أسرار خطيرة لسيطرة اليهود على العالم وأنه قد حذفت بعض فقراته السرية بعد ذلك ( 81) .

أسباب تحريف التوراة :
1- إظهار الشعب افسرائيلي أنه شعب مقرب إلى الله عز وجل ، وذلك بعد الأحداث السياسية التي ألمت بهم نتيجة عصيانهم وانحرافهم ، فحرف الكهنة التوراة وتعاليم الأنبياء وان تعالى اختارهم لقيادة العالم وغفر لهم وضمن لهم الجنة .

2- إحياء أرض الميعاد : امر تعالى بني إسرائيل بتطهير الأرض المقدسة من الشرك والوثنية لأنها أرض مهبط الوحي ، فاستغل الأحبار هذه الأخبار بالقول ان الله عز وجل اعطى لإبراهيم ونسله من النيل إلى الفرات .

3- إضفاء الصفة الشرعية للكهنة : كان دور علماء بني إسرائيل بعد الأنبياء هو المحافظة على شريعة موسى فظهرت فئة من العلماء وأخذت تفسر الكتاب المقدس حتى توهم انها ورثت كل شيء عن الأنبياء ، بل وأدخلت صفات غير لائقة للأنبياء كي يستروا على شخصيتهم المريضة والمنحرفة وحتى لا ينتقدهم احد ونتيجة محاربة الأنبياء لهم جعلهم يشوهون سمعة هؤلاء الأنبياء حتى يكرههم الناس وبالذات أيام انقسام المملكتين لليهود .

4- مرت على اليهود فترات حرجة وصعبة كان لها أثر على الناحية الدينية والاجتماعية  ونتيجة لانحرافهم وقتلهم الأنبياء حرف الكهنة التوراة ليبرروا موقفهم اتجاه الأنبياء .

مميزات عصر موسى:
-  شهد هذا العصر تربية أمة أراد لها تعالى قيادة الأمم الأخرى خاصة في منطقة الشرق الأوسط إلا أن اليهود تقاعسوا عن حمل المسئولية على الرغم من وجود فئة واصلت الدعوة الإلهية لهداية الناس ( الأعراف / 159) .

-  ظهور انبياء كثيرين من بني إسرائيل وهذا دليل على انحراف اليهود واصرارهم على العناد والباطل وانهم بحاجة إلى الوعظ والتوعية .

-       ظهور دولة داود وسليمان وهي دولة لم تبقى بعد موت سليماان فانقسمت إلى مملكتين .

-       ظهور التحريف في التوراة وتداول التوراة المحرفة بين بني إسرائيل .

-  سبي بني إسرائيل وقبل السبي كانوا عبيد ومضطهدين  في مصر  ، ونقل سرجون الأشوري الكثير من اليهود أسرى إلى دولته وأسر أيضا نبوخذ نصر آلافاً منهم بعد سقوط أورشليم بيد البابليين .

-  ملازمة الشرك في عقيدة اكثرية أفراد بني إسرائيل على الرغم من وجود الأنبياء فيهم وجهودهم في إصلاحهم .


عصر النبي عيسى ( 1-500الميلادي )

شخصية عيسى :
     يعتبر عيسى من أنبياء اولي العزم وهم إلى جانب عيسى ( نوح وإبراهيم وموسى وسيدنا محمد (ص) ، بعث الله عز وجل عيسى إلى بني إسرائيل ومكث فيهم ثلاث سنوات إلى ان رفعه الله سبحانه إلى  السماء بعد محاولة قتله ولم يتجاوز عمره عن (33) سنة وترك شريعة كاملة لعصره وذلك بعد انحراف التوراة التي تحوي شريعة موسى على يد الكهنة والأحبار .
     عاش المسيح فترة محدودة في بني إسرائيل لكنه كان مباركاً وتحل البركة والخير في أماكن تنقلاته وتجرى الماعز على يديه بإذن ربه ، عاش في فترة اضطراب فكري وديني ولم يستطع عصره فهمه فقد رفعه بعض الناس إلى مصاف الآلهة واعتبره بعض آخر انه ابن إله ن وكانت الأفكار الوثنية التي ظهرت في اليونان والرومان سائدة في عصره ، وقد تأثر اليهود بهذه الأفكار خاصة بالأساطير التي تنص على حب وزواج الآلهة اليونانية والرومانية ، لذا تأثر النصارى أيضا بهذه الأفكار واعتقدوا ان عيسى ابن الله عز وجل .
     يعتقد المسلمون بعودة عيسى وصلاته خلف مهدي هذه الأمة المرحومة وجاء لتصحيح مسار النصرانية والإقرار بالإسلام كدين سماوي ، بينما يعتقد النصارى بعودة عيسى لإنقاذ المسيحيين من الانحراف والقضاء على شرار اليهود ، بينما يعتقد اليهود ان المسيح يأتي لقيادة اليهود وبسط نفوذهم على الأرض الموعودة في التوراة ، وانه ليس هو عيسى ابن مريم .
     تكمن شخصية وعظمة عيسى انه ساد عصره وعصر ما بعده ، ومنذ ان ولد وهو يلاقي التهم من اليهود ، وعلى الرغم من ان القرآن قد برأ ساحته وساحة أمه وأنه بعث نبياً وهو في المهد ( مريم/30) ومن عظمته يسجل التاريخ ان وجوده خير وبركة لعصره وما بعده من العصور وقد سجل أيضا تسامحه وتواضعه على الرغم من انه واجه من نعنت اليهود كذلك من عظمته انه ولد من غير أب وهذا ما اكد عليه القرآن أيضا .

تاريخ الرهبنة :
     يربط معظم المؤرخين بين الرهبنة والمسيحية بسبب تعاليم السيد المسيح التي تدعو إلى الزهد والتقشف في الحياة ، على الرغم من ان كافة الأديان السموية تحث على السمو الخلقي ومجاهدة النفس وترويضها من اجل كسب الآخرة ن ويعتقد المؤرخون الغربيون ان من أثر الرهبنة انتشار المسيحية في ربوع الأرض وبالذات في العالم الشرقي وبالخصوص في مصر التي خرج منها نظام الرهبنة .
     نظام الرهبنة له جوانب سلبية في حياة الأوربيين العامة ، وبل ويعتبر هذا النظام سبباً من أسباب سقوط الامبراطورية الرومانية كما يقول المؤرخ ( جبتون) في كتابه ( اضمحلال الامبراطورية الرومانية وسقوطها ) (82) .
     هذه نتيجة طبيعية لرأي هؤلاء المؤرخين الذين عاصروا عصري النهضة الأوربية والتنوير في أوربا وهم يكرهون الكنيسة ورجالاتها ، إلا ان المنصفين منهم تحدثوا عن دور الرهبنة في حضارة العصور الوسطى الأوربية وأثرها في حفظ التراث الأوربي القديم وبالذات الحفاظ على المخطوطات القديمة من الضياع والاندراس في الأديرة والتي حافظت على المؤلفات اللاتينية بعد انحسار اللغة اللاتينية رويداً رويداً من الحياة الاجتماعية والعلمية في أوربا أبان عصر النهضة ( 83) .

معنى الرهبنة :
     الرهبنة عبارة عن طريقة خاصة للتقرب إلى الله تعالى والبعد عن الشهوات ، وقد يستدعي الأمر غالباً البعد عن عالم الناس المليء بالسيئات لوقاية النفس وتطهيرها ، لكن الابتعاد كلياً عن الناس قد يسيء الفهم بالدين ، ولا يجعل الناس يتعرفون على الدين اكثر ، ولكن مع ذلك هناك حث مؤكد على التبتل لكن دون افراط او تفريط ( سورة الحديد/ 27) ، لذا الرهبنة او بالأحرى الاعتزال أسلوب اتبعه الأنبياء كافة حسب الظروف التي مروا بها ، ويعتبر هذا الاعتزال ايجابياً إذا لم تسمح الظروف لنشر الدين فينتقل النبي إلى مكان آخر، وهو من جهة يحفظ نفسه وعقيدته من كيد الأعداء ، والتاريخ يشهد كثيراً من العباد فروا بدينهم وبالأخص في زمان انبياء بني إسرائيل ، حيث اعتزل بعضهم الحياة العامة وتفرغوا للعبادة وبعضهم كان يصوم صوم الصمت احتجاجاً على الفساد وتلوث الجو العام بالذنوب .
     قد تكون العزلة إيجابية بمعنى ان يتأمل العابد ملكوت الله سبحانه فيذهب إلى الصحراء ويعيش عيشة بسيطة وقد يعتمد في أكله على الأعشاب البرية والهدف هو مجاهدة النفس وتحمل الصعاب واعتزال الحياة المترفة وأثرها على العباد .
     الرهبنة في المسيحية تعتبر اعتزالاً سلبياً على الرغم من ان الظروف التي تهيأت للنصارى أيام الامبراطور قسطنطين الذي اعتنق النصرانية  ، كي يساهم رجالات النصرانية في نشر دين المسيح ، لكنه لم يحدث ذلك بل انحرفت النصرانية على يد هذا الامبراطور وأصبح الدين المحرف ديانة رسمية لهذه الامبراطورية ، إلى جانب ان سيطرة البابوية على الحياة السياسية في أوربا  وما ترتب على إثر ذلك من معارضة بعض الرهبان للسياسة البابوية لتدخلها في شئون الناس وانحرافها عن خط السيد المسيح .
     خرج نظام الرهبنة في الصحراء المصرية على يد ( أنطوني ) ، ويعتبر هذا الراهب من أصحاب أثناسيوس أب الأرثوذكسية ، وعاش عشرين سنة في الصحراء ، وانضم إليه جمع من تلامذته وزار الاسكندرية أثناء الاضطهاد الديني وشدد من عزيمة النصارى كي يصمدوا على البلاء ، وانتشرت حركة الرهبنة خارج الصحراء المصرية وبالذات في سوريا وفلسطين وعمت بقايا الأرض ( 84) .

تاريخ الكنيسة :
     جاء في إنجيل ( متى ) أن السيد المسيح قال لبطرس احد حوارييه:" أنا أقول لك أيضا أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها واعطيك مفاتيح ملكوت السموات ، فكل ما تربطه على الأرض يكون في السموات وكل ما تحمله على الأرض يكون محمولاً في السموات" ( إنجيل متى، الاصحاح السادس عشر ، ص18) لم يعرف النصارى الأوائل التنظيم الكنسي المعقد الذي عرفته أوربا في  العصور الوسطى ، ثم ان البابوية استغلت هذه المقولة المحرفة في إضفاء الشرعية لها وبسط نفوذها في حياة الناس العامة ، كيف تقول البابوية ان جذور الكنيسة الغربية تمتد إلى أيام (بطرس) ؟ وكيف فكر بطرس وجماعته بالتنظيم الكنسي وهم في أوربا وفي عقر دار الامبراطورية الرومانية ، ألا يعتبر ذلك التنظيم منافساً للمؤسسة السياسية في روما؟
     يمكن القول أن تاريخ الكنيسة يبدأ قبل سنة 300 ميلادية بقليل أثناء الاضطهاد المسيحي سنة 284م خاصة في عصر الملك ( ديوقليتيانس  ) الذي أصدر مرسوماً بهدم الكنائس وإحراق الكتب المتعلقة بالنصارى في روما ، وقد  مرت أربعة عهود لاضطهاد النصارى أيام ( نيرون ) سنة 64م وإلى عهد ( ديوقليتيانس) ( 85)  ، في عهد ( قسطنطين) خف الضغط على النصارى قبل أن يعتنق ( قسطنطين) المسيحية ، لكن هل هناك ذكر للتنظيم الكنسي ؟ إذا هناك ذكر فأن ذلك يرجع إلى أيام الرهبنة خاصة وقد عرفت النصرانية نوعاً بسيطاً من التنظيم الديني في الأماكن النائية عن سلطة الرومان ، ثم أخذ هذا التنظيم ينتشر مع انتشار الأفكار التي طرحها أنصار الرهبنة أو الرهبان ، خاصة في المدن بعد التقرب إلى السلطة فظهرت كنيسة الاسكندرية التي نادت بألوهية السيد المسيح ، لكن خالف احد أنصار هذه الكنيسة هذا الرأي وهو ( أريوس) المصري الذي نادى بان السيد المسيح ليس ابناً لله ، وظهرت تنظيمات مسيحية بعد ذلك في كل من مقدونية وفلسطين والقسطنطينية وتربطها روابط تعاليم السيد المسيح ( 86) .
     بدأت الكنيسة المسيحية أولاً في الشرق ولم تكن بالشكل المنظم كما كان عليه أيام العصور الوسطى لكنها بدأت في الانقسام مع بدايات التحريف في النصرانية ، أول انشقاق كان بعد مجمع ( خلقدونية ) سنة 451م حيث انفصلت كنيسة الاسكندرية عن الكنيسة الأم في الغرب ( روما) ونادت الأولى ان للمسيح طبيعة واحدة ، اجتمع فيه اللاهوت بالناسوت ، أدى بعد ذلك إلى انتفاضة المصريين ضد الرومان  وثاني انشقاق ويسمى الانفصال الغربي حيث ظهر أكثر من باب على المسرح الديني في أوربا ، كل واحد ينادي برأيه بشان طبيعة المسيح ، ثالث انفصال هو انفصال الكنيسة الشرقية ( القسطنطينية ) او اليونانية عن الكنيسة الغربية او الكاثوليكية التي يتزعمها البابا في روما ، وفي القرن السادس عشر الميلادي دعا ( لوثر 1483-1546م )  سنة 1517م بالإصلاح الديني بعد انتقد الكنيسة انها الوحيدة في تفسير الكتاب المقدس وليس لأحد الحق في تفسيره ونادى ( لوثر) ببطلان حق الغفران وبعدم عصمة البابا فظهرت الكنيسة البروتستانتية ) (87) .
     ظهر التنظيم الكنسي في البداية في القرن الثاني والثالث أيام الاضطهاد المسيحي لكن لم يأخذ هذا التنظيم شكله الكامل وإنما كان اجتماع المسيحيين في مجتمعات صغيرة لا تتعدى شكل خلايا ومعظمهم كانوا فقراء وكانت الامبراطورية الرومانية تنظر إليهم نظرة ريبة ، لكن مع انتشار تعاليم السيد المسيح بسبب الظلم بحق الشعوب الرازحة تحت نير الرومان كذلك بسبب الحروب التي خاضتها روما ضد اعدائها إلى جانب سهولة الطرق وربط أجزاء الامبراطورية بشبكة منظمة مما سهل حرية تنقل الدعاة المسيحيين في الأمصار ، وفي بداية القرن الرابع الميلادي اعترفت الامبراطورية الرومانية بالمسيحية كديانة رسمية وأخذ التنظيم الكنسي تتضح معالمه أكثر وظهرت سلطة دينية وهي سلطة البابا الذي حل محل شخصية الامبراطور بعد سقوط روما عام 476م ،  وانتقلت قداسة الامبراطور إلى البابا فقدست شخصيته وعصمته وانه يمثل السيد المسيح في القداسة والعصمة  ، قبل سقوط روما ظهرت قوة تنافس البابا وهي قوة البرابرة الذين ساهموا في سقوط روما وكانوا على مذهب (أريوس) الذي دعا إلى بشرية عيسى المسيح ، فظهرت دول متبربرة مثل الوندال في شمال أفريقيا والقوط الغربيون في أسباانيا والفرنجة في شمال فرنسا وغربها والقوط الشرقيين في إيطاليا  ولكن استطاع البابا التأثير على الجرمان ( البرابرة ) فتحولوا إلى الكنيسة الكاثوليكية ، لأن البرابرة لم يكونوا أهل فكر وفلسفة ليحافظا على مبدأهم او ان يجادلوا الكنيسة وقد يكون العامل السياسي وراء انحيازهم نحو الكنيسة ( 88) .
     بدأت البابوية سلطتها في روما وذلك بعد انتقال الامبراطور قسطنطين إلى بيزنطة فترك فراغاً سده البابا ، ثم بسط البابا نفوذه على كل إيطاليا ، وسيطر البابا على الغرب الأوربي بعد الفراغ السياسي الذي عقب سقوط روما ، ولا ننسى الحروب الصليبية التي قادها الملوك والأمراء الأوربيون ودورها في تقوية نفوذ الباابا وأيضا الأديرة التي انتشرت في بقاع الأرض ساعدتا البابا في تقوية دوره الديني والسياسي وأخيراً قيام الدولة الكارولنجية وتقديم ولائها للبابا وتتويج البابا شارلمان أشهر ملوك هذه الدولة على يد البابا ( 89) .

عوامل التحريف في المسيحية:
     مر التحريف في الديانة النصرانية بعدة عوامل وأسباب لكن نأخذ أشهرها تأثيراً على هذه الديانة :

أولاً الأناجيل الأربعة :
     أشهر الأناجيل هي : متى ومرقس  ولوقا ويوحنا ، يعترف بعض المسيحيين ان هذه الأناجيل دونت في فترة الاضطهاد الديني مما يقوي الدليل على ان سندها لا يتصل بالسيد المسيح خاصة وهي تتحدث عن المسيح وعن ولادته ومعجزاته وخطبه ومواعظه ثم عن صلبه وقيامه من قبره  ورفعه إلى السماء ، اشتهرت هذه الأناجيل عندما اعترفت بها الكنيسة بينما بعض الناجيل الأخرى اختفت لعدم تأييد الكنيسة لها ، وأول من أشار إلى وجود هذه الأناجيل ( أرينيوس ) سنة 209م ثم جاء من بعده ( كليمنس اسكنددريانوس في سنة 216م وقال ان هذه الأناجيل واجبة التسليم (90) .
     هناك إنجيل يدعو إلى التوحيد وهو إنجيل ( برنابا ) ولا يعترف بألوهية السيد المسيح ولا يقول بعقيدة التثليث ويبشر بنينا محمد (ص) ويعترف ان الذبيح من أبناء إبراهيم هو إسماعيل وليس إسحاق وهذه الحقائق تطابق مع ما جاء به القرىن لهذا الكنيسة لا تعترف بهذا الإنجيل (91) .
     الأناجيل الأربعة قامت بتحريف المسيحية لأنها  تدعو إلى إلوهية المسيح أنه ابن الله واختلقت قضية الفداء أي فداء المسيح نفسه من أجل غفران ذنوب العباد .

أ) إنجيل متى :
     ينسب إلى ( متى ) وهو احد حواري السيد المسيح وكان جابيا يجمع الضرائب للدولة الرومانية فاتبع المسيح وأصبح ملازماً له ، اختلف المؤرخون في كتابة إنجيله فمنهم من قال انه كتبه في عصر ( قلديوس ) أي حوالى 39 ميلادية ومنهم من قال انه كتبه في سنة 41م ، وأنه كتبه باللغة العبرية ثم ترجم إلى اليونانية ، واتفق المؤرخون على ضياع النسخة العبرية هذه ، وإذا كان ( متى ) من حواري المسيح فليس من المعقول ان يكتب الكتاب المقدس وإذا كتب شيئاً فمجرد سيرة عن حياة المسيح خاصة وانه ذهب إلى الحبشة مبشراً بالدين الجديد وقتل ( متى ) في الحبشة ومن القول ان الذي كتب هذا الإنجيل نسبه إلى ( متى ) لإضفاء الشرعية إلى الإنجيل ونقلها من العبرية إلى اليونانية وقد يكون كاتب الإنجيل احد الكهنة اليهود فادعى أن ( متى ) كتبه إلى المؤمنين اليهود ليستدل بذلك على ان اليهود لم يقفوا ضد السيد المسيح ولم يتآمروا عليه واحتمال ان كاتبه احد لافلاسفة اليونانيين الذين أحسوا بخطر الدين المسيحي فدرس المسيحيية عن طريق السماع وعن طريق ما كتبه الحواريون من خواطر فألف هذا الإنجيل ونسبه إلى ( متى ) ( 92) .

ب) إنجيل مرقس :
     لم يكن مرقس من الحواريين لكنه تبع السيد المسيح وكان عيسى او اليسوع يتردد على بيته عندما يجتمع بحوارييه وكان أتباع المسيح يواصلون اجتماعاتهم في منزله بعد رفع عيسى إلى السماء ، وأنه نشر المسيحية في  إنطاكية مع بولس وبرنابا  الذي يعتبر  خاله وأنه عاد إلى  أورشليم ثم خرج مع خاله إلى قبرص ومنها إلى مصر ، واتخذها قاعدة لنشر المسيحية وكان ينطلق منها إلى شمال أفريقيا وروما ، وألقي القبض عليه بعد تزايد نشاطه من قبل الرومان وقتل سنة 62م ، وعلى قول أنه كتب الإنجيل بطلب من أهل رومية بين 56 و60م وأنه أنكر ألوهية  المسيح  (93) .

ج) إنجيل لوقا :
     يعتبر لوقا من تلامذة بولس وقد ولد بانطاكية ودرس الطب ورافق بولس في أسفاره ويحتمل انه كتب الإنجيل بين سنوات 58-64م وكتبه باللغة اليونانية (94) .

د) إنجيل يوحنا :
     اختلف المؤرخون في شخصية يوحنا ، بعضهم يعتقد أنه ابن صياد وهو احد حواري السيد المسيح وبعض آخر قال انه يوحنا آخر وانه احد تلاميذ مدرسة الاسكندرية وجاء في دائرة المعارف البريطانية ان إنجيل يوحنا مزيف وان مؤلفه  رجل فلسفي لا يمت بصلة بالحواري يوحنا والهدف من كتابته الإنجيل هو إثبات ألوهية المسيح ، واختلف في تدوينه فأنه ألفه في سنة 68 أو 69 أو 89 أو 98 من الميلاد ( 95) .

ثانياً : اعتناق الامبراطور قسطنطين المسيحية :
     نظرية العناية الإلهية أن الملوكية تنزل من السماء وان تعالى ينصب الملك على الرعية ، وأن الناس تتبع ملوكها في العقيدة لذا من أسباب انتشار أي عقيدية دعم الملك لها ، لذا  عندما اعتنق قسطنطين المسيحية وذلك في حدود 302م ، رأى الاختلاف في الفرق المسيحية فأمر بعقد اجتماع او ما يسمى بمجمع وحضره حوالى 2030أسقفاً من المسيحيين ومال قسطنطين إلى رأي الأقلية وعددهم 318 أسقفاً الذين يؤيدون ألوهية المسيح ، وقد زين هؤلاء للقسطنطين فكرة ألوهية عيسى ( 96) .

لماذا اعتنق قسطنطين المسيحية ؟
     أقنع أحد مستشاري قسطنطين  بدين المسيحية للقسطنطين وان هذا يرفع من معنويات الجنود أثناء صرعهم مع الفرس بعد ان فقدوا ثقتهم بألهة الرومان ( 97) .

ثالثاً : المجامع الكنسية :
     المجمع عبارة عن المشاورة التي ينعقد لها جمع من علماءء المسيحية للنظر في المسائل المتعلقة بالعقيدة أو الشريعة وهناك نوعان رئيسان من المجامع : المجامع العامة الشاملة لكل الكنائس والطوائف والمذاهب والمجامع الخاصة وتنقسم إلى قسمين : المجامع الملية الخاصة بملة وحادة والمجامع الأقلية التي تجمع مذاهب ومللاً ، هناك اكثر من مجمع انعقد وحتى عان 1869م انعقد (20) مجمعاً وأشهرها :
-  مجمع نيقية الأول المنعقد في 325م: حيث اجتمع حوالى 2048 رجل دين بامر من قسطنطين للتباحث في قضية المسيح وطبيعته وكما مر فأن قسطنطين مال إلى رأي بولس الحواري القائل بألوهية المسيح وأيد هذا الرأي 318 أسقفاً .

-  المجمع القسطنطيني الأول سنة 381م: لم يبحث المجمع علاقة الألوهية بالروح القدس  وظهر فريق قال أن الروح القدس ليس بإله ويرأسه أريوس وفريق رفض هذا الرأي ويرأسه بطريك الاسكندرية الذي دعا إلى عقد مجمع وكان اهم قراراته إثبات ان الورح القدس هي روح الله وهي يحاته فظهرت عقيدة التثليث .

-  مجمع أفسس الأول سنة  431 م : ظهرت اختلافات بعد ظهور عقيدة التثليث ، فاجتمع حوالى 200 أسقفاً وأقروا أيضا بطيعتين للمسيح واحدة لاهوتية وأخرى ناسوتية بشرية .

-  مجمع خلقيدونية سنة 451م: عقد بطريك الاسكندرية مجمعاً ونادى ان للمسيح طبيعة واحدة واجتمع فيها اللاهوت والناسوت وعارضت الكنيسة الكاثوليكية هذا الرأي وعارضه بطريك القسطنطينية معارضة شديدة ودعت ملكة الرومان زوجها إلى  عقد مجمع في مدينة خلقيدونية سنة 451م وأهم قراراته ان المسيح له طبيعتان منفصلتان لا طبيعة واحدة .

-  هناك مجامع كنسية عقدت بعد ذلك من المجمع الخامس عام 553م إلى المجع العشرين المنعقد في روما سنة 1869م وتناولت أمور مثل : تناسخ الأرواخ وأن المسيح ليس حقيقة بل خيال وتقديس صور المسيح والقديسين إلا أن الأهم في الأمر ان بعد المجع الرابع بدات الكنائس في الانفصال والاستقلال عن بعضها بعض فقد انفصلت الكنيسة المصرية بالاسكندرية ، ومن المجمعين الشرقي اليوناني والغربي اللاتيني انقسمت الكنيسة اليونانية على كنيسة روما وصارتا كنيستين إحداهما تسمى الكنيسة الغربية البطرسية والأخرى الكنيسة الشرقية اليونانية الأرثوذكسية ، وأخيراً انفصال الكنيسة البروتستانتية في القرن السادس عشر الميلادي عن الكنيسة الكاثوليكية  ( 98) .

رابعاً : أثر الفلسفة اليونانية والرومانية على المسيحية :
     نادى الفلاسفة المتأثرين بالمسيحية إلى التوفيق بين الفلسفة اليونانية والرومانية والديانة النصرانية ، إلى جانب كانت الكنيسة بحاجة إلى الفلسفة ضد خصومها فاعتمدت المسيحية على فلسفة أفلاطون في أمور تتعلق بالعقيدة ( 99) وأول من نادى إلى التوفيق بين الفلسفة الدين هو فيلو ( 20ق.م – 4م) وهو من الفلاسفة اللاهوتيين اليهود وقال أن للإنسان مادة روحاً وان الروح تتوق إلى الله تعالى ولما كان الله لا يحده عقل فلا بد من وسيط يربط بين المحدود واللامتناهي وهذا الوسيط هو الكلمة التي وصفها بانها أول ابن مولود لله وهذا الابن هو الإله الثاني ،  في فترة الاضطهاد الديني ظهرت فئة من الفلاسفة تعاطفت مع المسيحيين وأيدت فكرتهم المتعلقة بالإخاء والمحبة وغيرها من القضايا التي لم يتعودها الروماني وخاصة الفيلسوف لهذا ظهرت الفلسفة مزيجة بأفكار الدين والأفكار الوثنية وتسمى الفلسفة المتدينة ( 100) .
     من أبرز الفلاسفة الذين تركوا أثراً في المسيحية أفلاطين المتوفى 270م ، الذي روج عقيدة الثليث قبل المجامع الكنسية عندما طرح أفكاره بالقول: العالم تحركه ثلاثة أشياء : المنشء الأزلي الأول والعقل المنبثق منه والروح التي هي مصدر تتشعب منها الأرواح جميعاً  ، هذا وتاثر بولس بالفلسفة الرواقية التي انتشرت في عصره وتقول ان الطبيعة البشرية تنقسم إلى أرضي مادي وسماوي روحي ، وظهرن الفلسفة الأفلاطونية المحدثة وهي خليطة من نظريات أفلاطون وأرسطو  وبعض آراء دينية  شرقية ومن أبرزها أن الله ( عز وجل) والطبيعة شيء واحد وهو ما يعرف بمذهب وحدة الوجود أي أن الكون المادي فيض من الله سبحانه تنبثق منه نفوس الناس  ( 101) .

مميزات عصر النبي عيسى ابن مريم :
-  قصر مدة نبوة عيسى في قومه و لكنه ترك انصاراً وحواريين  وقد أرسلهم إلى  الأمصار والمناطق للتبشير بدين عيسى خارج  فلسطين مثل أنطاكية والحبشة وقبرص ومصر ، واتخذ مرقص وهو احد انصار عيسى مصر قاعدة لنشر المسيحية في شمال أفريقيا ومنه إلى روما ، وقد عانى النصارى الاضطهاد على يد الرومان وهذا دليل كاف على نشاط الحواريين الملحوظ في المستعمرات الرومانية وإحساس الرومان بخطر هذا الدين الجديد .

-  واجهت المسيحية تيارات فلسفية من اليونان والرومان وتأثرت بهذه الفلسفة ولكنها صححت بعض الأفكار والمفاهيم مثل معنى الخلود ومعنى الحياة والموت ونبذ عبادة الامبراطور .

-  شهد هذا العصر الاضطهاد الديني للمسيحيين وقد بدأ في عهد ( نيرون ) في عام 64م وفي عام 67م  قتل بولس ( الرسول ) ، وفي عام 112م صدر الامبراطور ( ترجان ) قانوناً يجبر المسيحيين بالولاء للامبراطور وعبادة آلهة الرومان ، وفي عام 303م أصدر ( ديوقليتيانس ) مرسوماً بتهديم الكنائس وإحراق الكتب المسيحية .

-  ظهرت شخصية دينية قوية بعد النبي عيسى في روما وهي شخصية البابا ، التي لعبت دوراً هاماً في حياة المسيحيين ، خاصة بعد سقوط الامبراطورية الرومانية عام 476م .

                     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق