الأربعاء، 2 أكتوبر 2013

التقاعد ......سلبيات ، وعلاج




التقاعد ... سلبيات ، وعلاج
الباحث الاجتماعي : عباس سبتي

مقدمة :
     تساءل احد الأكاديميين أن بعض المتقاعدين الذين كان لهم وظائف مهمة ولا يمكن الاستغناء عنهم بعد التقاعد كيف يقضون أوقاتهم في المقاهي الشعبية والدردشة غير الهادفة ؟  أليس بسبب الفكر الخاطئ أنه آن للمتقاعد أن يستريح ؟   
     في أحدث إحصاء لنسبة المتقاعدين بدول الخليج العربية  لمجمل السكان هي 25% في وقت يقضي أكثرهم دون عمل وتجديد لهواياته أو نشاطه كي يحافظ على صحته الجسمية والنفسية وهو يقترب أو قارب سن الشيخوخة ، ولعل من أسباب عدم الاستفادة من تجارب وخبرات المتقاعدين هو عدم وجود أنظمة التقاعد تلبي احتياجات كثير من المتقاعدين في الاستفادة منهم .
     توجد فئات قد لا تتأثر بعد التقاعد وذلك لطبيعة عملهم مما يجعلهم أوفر حظاً في إيجاد العمل بعد التقاعد هي فئات : الأطباء فتح عيادات خاصة ومحامين فتح مكاتب محاماة وباحثين خلال المحاضرات وتقديم الاستشارة وإجراء البحوث وفنانين وعلماء ، لكن مع توفر بعض الشروط لها مثل رأس مال وإرادة وعزيمة لمواصلة العمل والصحة البدنية والنفسية والعقلية وتقدير وحاجة المؤسسات العامة والخاصة لخبرات هذه الفئات .

واقع المتقاعدين :
     هذا الواقع يعكس السلبيات التي جاءت مع المتقاعد الذي لا يستغل وقته وجهده في منفعة نفسه وغيره كيف ؟؟؟
     أغلب المتقاعدين الآن لا ينظمون أوقاتهم مع أنهم يقومون بتوفير احتياجات المنزل وتوصيل وإياب الأولاد من المدارس ، و يقضي المتقاعد ووقته أمام التلفاز أو قراءة الجرائد اليومية صباحاً ومساء ، قلة من المتقاعدين من يفكر بتنظيم وقته واستغلاله بما ينفع فكره وعقيدته وصحته ، وقت الفراغ يضر بالمتقاعد أكثر  من غيره فهو لا يستطيع أن يعمل أو يسد وقت فراغه بأي عمل لهذا يصاب بالسأم والاكتئاب ، لذا يصاب أكثر المتقاعدين بأمراض الشيخوخة وأمراض أخرى بسبب الحياة التي يحيونها من خمول وكسل وعدم الحركة وأكل كل شيء دون مراعاة لصحة الجسم في مثل سنه ، لهذا يتزايد أعداد المسنين الذين يحتاجون إلى الرعاية الصحية والاجتماعية في العالم ، لكن توجد بعض الدول الأوربية تطرح برامج وأنشطة للمتقاعدين كما سوف يأتي ، ويعاني المتقاعد من عبء وثقل مالي نتيجة أنه يصرف على أولاده المتزوجين وأولادهم الذين يسكنون معه في المنزل بعد ارتفاع أسعار إيجارات الشقق ، وكبر عدد أفراد الأسرة مثلما كانت الأسرة في الماضي  حيث عاش الجد والجدة والأولاد والأحفاد في بيت واحد ،  إلى جانب تزايد مبالغ الكهرباء والماء على كاهل المتقاعد .
     كذلك يشعر بعض المتقاعدين أنهم أصبحوا على هامش الحياة ولا يعد أحد يحترمهم عندما كانوا في مناصبهم فيشعر بالدونية وينعزل عن الحياة الاجتماعية ، وبعض أصيب بالكآبة لأنه فقد كثير من المميزات كانت تدر عليه وهو في الوظيفة من سيارة وتسهيل معاملات واحترام في أماكن معينة ، ويصل الأمر أنه يصاب بأرق وعدم النوم إذا لم يتناول حبوب منومة ، فهو يكثر من الشاي والقهوة لأنه يسهر إلى قريب الفجر .
     بعض المتقاعدين يغير نمط حياته خاصة من تقاعد مبكراً ، ويشعر أنه في مقتبل العمر ، فقد يشعر أن الحياة تحلى له الآن بعد التقاعد من خلال السفر مع أصدقائه المتقاعدين مثله أو زملاء العمل له ، وللأسف أكثر هؤلاء الذين يسافرون دون عائلاتهم يقعون في المحظور ، كم من متقاعد تزوج على زوجته ، بل بعض منهم طلق الزوج الأولى وعاد إلى حياة الشباب والطيش واتخذ العشيقة .
     هذه السلبيات يمكن تفاديها والقضاء عليها بتكاتف الجهود من المؤسسات العامة والخاصة والجماعات والأفراد على النحو التالي :

تجديد نشاط المتقاعد :
     توجد نظرية في علم اجتماع الشيخوخة تسمى نظرية النشاط وهي عبارة أن يجد المتقاعد وظيفة بعد التقاعد لينمي اهتماماته ونشاطه ويسد وقت فراغه ويدر عليه بعض المال ويجدد صحته الجسمية والنفسية ويقلل من إصابته بأمراض الشيخوخة .
     لكن هذه النظرية لم تطبق بشكل كبير في كثير من دول العالم  ، لماذا ؟؟
     الإنسان المتقاعد بعد سنين تقل أو تكثر من تقاعده ، يبدأ في الضعف العام والإصابة بأمراض الشيخوخة مما يجعله حبيس المنزل أو السرير ، للأسف كثير من الدول العربية لا تقدم برامج للمتقاعدين في التلفاز أو المذياع أو الصحافة من أجل توعية المتقاعدين كبار السن الذين ينتابهم الضعف شيئاً فشيئاً ، مما يؤدي إلى ظهور فئة العجزة في المجتمع ، خاصة إذا عاش فترة طويلة بعد التقاعد دون عمل وحركة .
     في الكويت بادرت بعض الجمعيات التعاونية بفتح ديوان للمتقاعدين لتمضية فترتي الصباح والمساء ولكن قلة الخدمات التي تقدم لهم وعدم وجود برامج توعوية وترفيهية وثقافية يجعل أكثر المتقاعدين يفضل المكث في المنزل ، كذلك قدمت إدارة رعاية المسنين بوزارة الشئون الاجتماعية خدمة نهارية عبارة عن ديوان للمسنين الذكور وديوان للمسنات في فترة الصباح للتغلب على العزلة والوحدة في هذه الفترة مع وجود وحدة العلاج الطبيعي لكن المكان لا يسع إلا لأعداد محدودة من النزلاء ، ثم أن أكثر المسئولين في الدول العربية يلوحون بعصا الاهتمام بفئة المتقاعدين دون فعل شيء اتجاههم ، خاصة ولا توجد ميزانيات ترصد لهذه الفئة ووضع برامج لها .
     لعل بعض الدول المتقدمة في الغرب اهتمت بفئة المتقاعدين بحكم أن فئة كبار السن في الغرب هي الفئة السائدة بمعنى أن كبار السن أكثر عدداً من الأطفال والشباب أو كما يقال عن  المجتمع الأوربي أنه مجتمع هرمي  ، وتقدم هذه الدول للمسنين برامج متنوعة تقدمها مؤسسات خاصة وبعضها حكومية ،أو إنشاء جمعيات ومؤسسات لكبار السن يمارسون الأنشطة المختلفة والملائمة لهم ولعل هذه المؤسسات تجعل المسن لا يصل إلى مرحلة العجز والمرض الشيخوخي بسرعة ،وأيضا يمكن الاستفادة من خبرات المتقاعدين بأي شكل من الأشكال براتب رمزي بحيث يجدد المتقاعد نشاطه ويقضي على أوقات الفراغ التي تكون قاتلة بالنسبة له  ، وبالتالي يحافظ المتقاعد على حيويته ويجدد معلوماته في مجال تخصصه وينقل تجاربه إلى فئة الشباب  ، وهذا ما نقرأه في المواقع الاكترونية عن حكايات بعض المتقاعدين والتحاقهم بمهن مناسبة لتخصصاتهم ، بل بعضهم يتطوع بالقيام بأعمال تطوعية ،  ففي الولايات المتحدة رابطة من المتقاعدين الذين يمدون يد العون والمساعدة للمسنين لأعمال المنزل أو نقلهم إلى المستشفيات في حال إصابتهم بالأمراض وزيارتهم وتقديم أنشطة ترفيهية لهم للتغلب على آلامهم النفسية كالوحدة ، وفي الولايات المتحدة الأمريكية أيضا توجد جمعية المتقاعدين لمساعدة من بلغ 55 سنة فما فوق لإيجاد عمل لخدمة المجتمع المحلي للاستفادة من خبراتهم المهنية ، وفي ألمانيا توجد هيئة الخبراء المسنين حيث يقدم هؤلاء المتقاعدون خبراتهم واستشاراتهم في كافة المجالات للدول النامية .
     وتوجد تجربة في اليابان وهي أن بعض المتقاعدين يعينون مستشارين في مؤسسات الحكومة والمجتمع المدني ،لأن عدد المتقاعدين وكبار السن يتزايد في اليابان كما يتزايد في الدول الغنية ، وأنشئت اليابان جامعة للمتقاعدين لمن يريد أن يتعلم الفنون النظرية والعملية منها فلاحة البساتين وتربية الطيور والأسماك وصناعة الأواني الفخارية ويمكن الالتحاق بالجامعة عن طريق المراسلة والدراسة فيها مجانية .
     توجد تجارب متواضعة على شكل جمعيات ونقابات ذات طابع خيري تطوعي في بعض الدول العربية كما في مصر وتونس والمملكة العربية السعودية وتصدر دوريات تعنى بشئون المتقاعدين وكبار السن .
     وفي الكويت يوجد نادي المتقاعدات في جمعية المعلمين الكويتية ويقدم برامج وأنشطة مثل الدورات التدريبية وورش العمل لفئة المعلمات المتقاعدات ومن في حكمهن من ربات البيوت  ، وقد كان من أنشطة هذا  النادي دورة في كيفية التعامل مع المسن وتوفير الراحة له ودورة في العناية بالزراعة المنزلية وتربية الأسماك .
     ولعل بعض الناس يجد في مرحلة التقاعد فرصة للتعرف على الذات واستخراج مكنوناتها وجواهرها بعد أن كانت كامنة في غور النفس وانشغال الإنسان بالعمل والوظيفة ، منها كتابة تجاربه في الحياة ونظرته إليها خاصة لمن يمتلك ملكة الكتابة والتعبير ، وقد يجد المتقاعد الصعوبة في فهم ما يطرحه لكنه مع الوقت يعرف ما يريده أفراد المجتمع ، وهو كالطبيب يفحص المريض كي يعرف ما الداء ليعطي المريض الدواء ، وهو يعرف كم من أمراض أخلاقية واجتماعية ونفسية تعاني منها المجتمعات الإنسانية .

مجالات عطاء المتقاعد :
     تشير الدراسات بهذا المضمون أن المتقاعد العامل أكثر تفائلاً ورضا بالحياة من المتقاعد الذي لا يعمل ، وخاصة وأن بعض المتقاعدين يفضلون العمل في المؤسسات الخيرية والتطوعية .
     تبنت بعض الدول العربية توصيات الجمعية العمومية للأمم المتحدة لرعاية المتقاعدين والمسنين منها : مساهمة هذه الفئة في التنمية الشاملة وتوفير فرص عمل لها والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي ومكافحة فقر المسن .
     توجد مجالات كثيرة يمكن الاستفادة من تجارب خبرات المتقاعدين خاصة في دول الخليج العربية .

الاستشارة :
     مجال الاستشارات واسع ولعل المستشارين هم آخر من يتقاعد وكلما زاد عمره كان أوفر حظاً في الاستفادة من خبراته ، لذا المستشارون يستفيدون منهم في الغالب بعد التقاعد .

التعليم والتدريس :
     فتح المجال للمتقاعد على إعطاء الدروس في الجامعات والكليات والمدارس حسب التخصص ولو راتب رمزي ( نظام الساعات ) ، طالما هو في صحة وقدرة على العمل التدريسي .

التدريب :
     بعض المتقاعدين الذين لهم خبرة طويلة في التدريس والتدريب يمكن الاستفادة منهم في مجال التدريب ، وعلى المؤسسات التدريبية الخاصة الاستفادة منهم خاصة الذين يجددون نشاطهم ومعلوماتهم ، وبمكن أن يلتحفوا بدورات تجدد معلوماتهم ويتعرفوا على المستجدات في عالم التدريب .

رجال الشرطة والجيش :
     بعض كبار رجال الشرطة والجيش يستفيدون من خبراتهم في إعطاء دورات تدريبية أو استشارات في المؤسسات العامة والخاصة ، وبقية رجال الشرطة والجيش بمكن أن يعملوا في مجال العلاقات العامة والأمن بعد التقاعد .

التطوع :
     فتح أبواب أعمال التطوع على مستوى المؤسسات الحكومية والأهلية ، الخاصة المتقاعدين حسب ظروفهم منها ، ولعل هذه الأعمال تنمي ملكة الابتكار لهؤلاء المتقاعدين الإشراف على عمال نظافة الشواطيء ، والخدمة في المؤسسات الخيرية وغيرها ، وقد أنشئت في الولايات المتحدة جمعية المتطوعين المتقاعدين ويعملون في التعليم و التدريب ومساعدة كبار السن في بعض القضايا ومتطوعين في المستشفيات والمصحات والمكتبات .

الحرف اليدوية :
     تشجيع المسنين على مزاولة بعض الحرف المهنية المناسبة لهم في المنزل وتوفير ما يلزمهم  من المواد الخام ، أو فتح ناد للمسنين يمارسون هوايات الزخرفة والنعت والرسم والكتابة والغزل والنسج و... .

     في الختام ..
     لا بأس بذكر بعض الأمور للتأكيد على قضية التقاعد وتذليل سلبياتها منها :
     حصر أعداد المتقاعدين وتخصصاتهم وكيفية الاستفادة من خبراتهم  ، وإجراء البحوث الدراسات لتحديد السلبيات التي جاءت بعد تزايد أعداد المتقاعدين وإيجاد سبل علاجها ، تزويد دواوين المتقاعدين التي تنظمها الجمعيات التعاونية بأحدث أجهزة الترفيه والتسلية وبرامج لتنشيط نشاطهم للقضاء على أوقات الفراغ ، فتح قطاع الحكومة والقطاع الخاص مجالات عمل وتطوع لهؤلاء المتقاعدين ، وإنشاء أندية صحية ورياضية خاصة بالمتقاعدين للمحافظة على الصحة الجسمية والنفسية والعقلية ، وإنشاء اتحاد نقابة المتقاعدين .



هناك تعليقان (2):

  1. شركة اجياد شركة تنظيف بالدمام هى من افضل شركات التنظيف بالدمام لديها خدمات شاملة فهى شركة تنظيف بالخبر, وشركة تسليك مجارى بالدمام , وتقدم خدمات متنوعة http://ajiad.net/
    شركة اجياد شركة تنظيف بالدمام 0566657410-055985992

    ردحذف
  2. المسنين والعمل التطوعي بعد التقاعد

    ردحذف