السبت، 9 نوفمبر 2013

مذكرات الأستاذ س - القسم 3




مذكرات  الأستاذ " س"
بقلم الباحث: عباس سبتي

     تشتمل هذه المذكرات على ثلاث حلقات بطلها أحد المعلمين الذين عاصروا فترة ما بين الخمسينات وإلى التسعينات من القرن العشرين الماضي .

     الحلقة الأولى بعنوان : " عندما كنت معلماً " .
     والحلقة الثانية بعنوان : " تعلمت من طلبتي " .
     والحلقة الثالثة بعنوان: " عندما كنت تلميذاً " .

     إنها مذكرات تستحق القراءة خاصة لجيل اليوم جيل الأبناء والأخوة المعلمين الذين يحبون أن يقتدوا بالجيل الأول ويستفيدوا من خبراتهم وتجاربهم في الحياة العملية .


الحلقة الثالثة : عندما كنت تلميذاً
الباحث/ عباس سبتي

مقدمة :
     قال الأستاذ الفاضل : اود  ان أذكر تجارب مررت بها وأنا تلميذ لأبين الفارق بين طالب الأمس وطالب اليوم ، ولعل ذلك يساعد الطلبة على الاقتداء بالجيل الأول وهم الآن يحملون مسئولية بناء الوطن ، وليعرف الأبناء أن القيم والسلوك قد يتغيران بتغير الزمان والمكان وعلى الجيل الحالي التمسك بقيم المجتمع وبتراثه  وهذا الأمر يعزز من قوة شخصيتهم ويصونهم من خطوات وصرخات أصحاب " الموديلات " .
     أحاول أن أنقل تجارب تلميذ عاصر فترات دراسية امتدت من  1956م وإلى 1970  م حيث يمكن أن يستفيد القاريء سواء الطالب والمعلم والباحث من هذه التجارب ليرى ويقارن الواقع التربوي بين الأمس واليوم .

الكويت 10/10/1995م


بداية دخولي المدرسة :
     لا أعرف كم كان عمري عندما دخلت المدرسة الواقعة في إحدى الأحياء الشعبية ولكن أعرف أنني وأخي وأحد أقاربنا واللذين يصغران سنة واحدة قد دخلنا معاً المدرسة ، في الحقيقة لم تكن هناك توعية كافية لأولياء الأمور بأهمية التعليم  إلا أن الدولة بدأت تركز على التعليم بعد تنظيم إدارات الحكومة في بداية الخمسينات من القرن الماضي ، وبدأ بعض الأولياء يسجلون أبنائهم في المدارس أو في رياض الأطفال ، علماً بأن التعليم كان موجوداً سواء النظامي (1912م)  أو الأهلي ( الكتاتيبي )   قبل سنة 1887م .
     كان الأولاد وهم يذهبون إلى المدرسة يشعرون بتجربة جديدة يمرون بها وبعضهم عانى نفسياً واجتماعياً حتى تلاءم مع جو المدرسة ، ذلك أن الطالب يبتعد فترة تقاس بالساعات وهو بعيد عن البيت كذلك يحرم بعضهم من ممارسة الألعاب الشعبية في الأحياء مع رفقائه ، وقد ابتعد عن أترابه وهو يجالس أطفال لا يعرفهم في الصف ، وقد احسست بهذا الإحساس عند دخولي المدرسة لأول وهلة إلى درجة صممت ألا أرجع إلى المدرسة ، لكن في الغد وجدت نفسي مسروراً بالذهاب إلى المدرسة وذلك عندما لبست الزي المدرسي  مع أحذية جديدة وأقلام وكراسات و... .
     وقد أحسست بالضيق أيضا في اليوم الأول وأنا جالس على الكرسي دون حركة بعد أن هدد المعلم تنقل طالب من مكان إلى آخر بالصف ،  ولو أن ذلك كان مألوفاً في الأسبوع الأول مع انتقال الطالب إلى صف آخر بعد أن كان مع أخيه في نفس الصف ولعل هناك أموراً أخرى تنعكس سلباً على نفسية الطالب بعد ان يكبر لذا نهيب بالأخوة المعلمين والمعلمات في المدارس والرياض الرفق بهؤلاء الصغار وخلق جو الألفة والمحبة لهم عندما خرجوا من البيت إلى المدرسة والروضة .

السير إلى المدرسة :
     في العام الدراسي 56-1957م بلغ عدد المدارس (43) مدرسة بنين و(40) مدرسة بنات و(4) رياض أطفال حسب إحصائية إدارة التخطيط  بوزارة التربية بدولة الكويت .
     المدارس كانت موزعة على أحياء الكويت القديمة ، عموماً المدارس لم تكن بعيدة عن مساكن التلاميذ ، لذا يذهب الأولاد مشياً على الأقدام إلى المدرسة وهناك القليل جداً من يستخدم الدراجة الهوائية ولم أر وأنا في الصف الأول الابتدائي سيارة تقل أولاداً إلى المدرسة .
     كنا نعاني من تقلبات الجو عندما نذهب إلى المدرسة أ ونغادرها خاصة أيام الشتاء الباردة وقد يترك البرد أثراً على أصابع اليدين إلى درجة لا نستطيع أن نكتب شيئاً او نمسك القلم وذلك لعدم قدرة أعصاب وعضلات الأصابع من تحريك القلم بسبب أثر شدة البرد القارص ، وعندما يضرب المعلم الطالب  على يديه بالعصا في الجو البارد فأن آلامه تزيد أكثر وتستمر طيلة الحصة والحصتين .
     ولا تسلم ملابسنا من تقلبات الجو إذ تبلى الملابس بماء المطر وهذا يسبب ازعاجاً بل وعدم الاعتناء أو الانتباه لشرح المعلم وقد تعطل المدارس نتيجة نزول المطر بكميات كبيرة إلى جانب هبوب الرياح الشديدة المحملة بالأتربة ( الطوز) حتى تنعدم الرؤية الأفقية ، طبعاً الكثير لا يذهب إلى المدرسة ولا يسمع بخبر تعطيل الدراسة لقلة استخدام المذياع ( الراديو) .
     أذكر انني كنت في المرحلة الابتدائية أسير مشياً على الأقدام مثل بقية الأطفال وكانت المدرسة قريبة من السكن ، وفي المرحلة المتوسطة كنت استخدم الدراجة الهوائية خاصة في الصف الثالث المتوسط ( الإعدادي) وأما في الصف الرابع المتوسط فكنت أركب مع أحد زملائي سيارته وكذلك استمرت الحالة إلى أن اشترى والدي سيارة لي في نهاية المرحلة الثانوية .
     هذه الصورة أو المشهد أنقله للطلبة كي يعرفوا كيف أن الآباء والأمهات والأجداد عانوا كثيراً من تقلبات الجو وهم يمشون إلى المدرسة مع قلة وسائل النقل ، وعلى الأولا د الكبار الاعتماد على النفس بالذهاب إلى المدرسة بدلاً من تكليف الأب أو الأم بذلك  في يومنا الحاضر .
     بعد منتصف الستينات من القرن الماضي رأيت الحافلات المدرسية ( الباصات ) وهي تقل طلبة المدارس من وإلى البيت ، وهناك من يمتلك سيارة فيأتي بها إلى المدرسة خاصة الطلبة الكبار بالمرحلة الثانوية وهم قلة جداً .

المناهج :
     تختلف المناهج المدرسية أيام كنت طالباً عنها اليوم اختلافاً كثيراً ، كانت الكتب المدرسية مملوءة بالمعلومات وأتذكر أنني كنت طالياً في الجامعة ادرس نفس المعلومات التي درستها في المرحلة المتوسطة بل وأكثر من ذلك .
     يختلف إخراج الكتب المدرسية اليوم عنه بالأمس كنا قليلاً ما نرى غلاف الكتاب المدرسي عليه صور أو شعار يدل على طبيعة المادة العلمية ، كذلك أوراق الكتاب تميل إلى الاصفرار نوعاً ما وكانت الصور ترسم باليد وكثيرا منها لم تكن ملونة ، وكانت كتب المرحلة الابتدائية تكثر فيها الصور المعبرة بينما تقل هذه الصور في المرحلتي : المتوسطة والثانوية ، كذلك هناك فرق في حجم وكمية الصور في المرحلة الابتدائية مثلاً كتاب الصف الأول الابتدائي فيه صور أكثر من كتاب الصف الرابع الابتدائي ، و ايضا  صفحات الكتب كانت أكثر عددا من صفحات الكتب المدرسية الآن .
     على الرغم من أن الكتب مليئة بالمعلومات والصور إلا أنني لم أذكر أنني آخذ الكتب معي إلى البيت بل كنت أعتمد على شرح المعلم وأكتب الواجبات في المدرسة وكنت ألقى التشجيع من المعلمين وأكون أول من يقرأ وأول من يجيب في الصف .
     صحيح أن حجم الكتاب المدرسي قد لا يغطي فترة السنة الدراسية إلا أن الاختبارات تكون شاملة للمنهج أو معلومات الكتاب من بداية الصفحة وإلى نهاية الكتاب وأذكر بالمناسبة عندما كنت في الصف الرابع المتوسط كلفنا بالحضور عصراً مع قرب نهاية السنة الدراسية لإنهاء كتاب " العلوم العامة والصحة "  وكتاب " الجغرافيا " لعدم الانتهاء من شرح الكتابين .
     كانت موضوعات الكتب المدرسية تركز على التعرف على البيئة المحلية وما فيها وتاريخ الكويت وتاريخ الإسلام والدول العربية والأخلاق والتهذيب وتعويد الطلبة على العادات الحسنة ونبذ العادات السيئة .
     كانت الكتب المدرسية قبل الستينات من القرن الماضي تطبع خارج الكويت فكانت 90% من موضوعات الكتب لا تتناول البيئة  والعادات والتقاليد الشعبية المحلية  في الكويت .
     كان طالب الأمس أكثر تميزا من طالب اليوم سواء في الكتابة والخطابة والقراءة ولعل ذلك يرجع إلى أن طالب الأمس كان يعتمد على حفظ المعلومات وكتابتها وغزارتها في الكتب المدرسية ، بينما طالب اليوم يكتب مختصراً وأكثر أسئلة الامتحان تعتمد على الأسئلة الموضوعية مثل أسئلة ( الصواب والخطأ) وأسئلة ( إكمل الفراغ) ، وبهذه المناسبة نشرت إحصائية في الولايات المتحدة أشارت أن مؤلفي الأدبيات والتراث النثري والقصص في الولايات المتحدة ينحدرون من أصول وشعوب العالم الثالث التي تعتمد مناهجها على حفظ المعلومات وكثرتها والتركيز على القراءة والكتابة  و أسئلة الاختبارات كانت مقالية وليست موضوعية .

حصة التربية الرياضية:
     يفرح الطلبة بحصة التربية الرياضية ويرونها انها تكسر الروتين اليومي الممل في الصف وتقييد الطفل في مكانه فترة قد تطول أكثر من ساعتين   ، كنت من هؤلاء الطلبة الذين يحبون حصة التربية الرياضية بل كنت أكتب في الجدول الدراسي اليومي وأنا تلميذ في المرحلة الابتدائية في خانة يوم الجمعة ( العطلة الأسبوعية) كلمة ( ألعاب) من الحصة الأولى وإلى الحصة الآخيرة ، وهذا يدل نفسياً على حب هذه المادة  أو  قلة حركة الطفل في الصف لساعات في بقية المواد الدراسية  وهو جالس على الكرسي بينما في عمره يحب  الانطلاق إلى اللعب والحركة .
     في حصة الألعاب لا أتذكر ما الألعاب التي كنا نلعبها ولكن اتذكر لعبة كرة القدم وهي اللعبة الشعبية المحببة لدى الصغار والكبار ، في بداية الحصة يذهب أحد التلاميذ بإحضار الكرة من قسم التربية الرياضية بينما بقية الأطفال تجدهم في ساحات الملاعب وينظم مراقب الصف توزيع التلاميذ إلى فرقتين أوأكثر للعبة كرة القدم ولا نحس بالوقت إلا ومعلم الصف ينبهنا بصفارته بانتهاء الحصة  فيأخذ الكرة منا ، وإذا كانت حصة التربية الرياضية الحصة الأخيرة يذهب بعض الطلبة إلى المنزل قفزاً على سور المدرسة دون أن يلعب مع بقية زملائه كما في  لاحظت ذلك في المرحلة المتوسطة  ، كانت المدرسة توزع مجاناً الملابس الرياضية ( المدرسية ) على الطلبة ونفرح بها مثلما كانت توزع علينا الملابس المدرسية والقرطاسيات والأدوات المدرسية  ، كنا نحافظ على الملابس حتى نهاية السنة الدراسية وتعودنا المحافظة على أدوات المدرسة لأن المدرسة لا تصرف بدل التالف والفاقد و الأسر كانت حالتها المادية محدودة ، ولما كانت حصة الرياضة من الحصص المحببة لدى الطالب فأنه يحافظ على الملابس الرياضية حتى نهاية السنة الدراسية كي لا يحرم من اللعب في المدرسة .
     لم تضغط المدرسة على التلاميذ بإحضار ملابس الرياضة في حصة الرياضة كما هو جاري اليوم وحتى إذا لم يكن للطالب عذر طبي ، لأن الكل يحب حصة الرياضة ويلعب دون أن يرتدي ملابس الرياضة .   
     ننتهز الفرصة والاستراحة بالمدرسة باللعب في الساحات والملاعب ولا نعرف انتهاء وقت الاستراحة إلا ونجد مشرف الجناح أو وكيل المدرسة أو الناظر وهم يحملون العصا باتجاهنا فنعرف أن فرصة الاستراحة قد انتهت .
     يختار معلمو التربية الرياضية فرقاً رياضية تمثل المدرسة في البطولات المدرسية وأتذكر أننا كنا نذهب إلى ملعب المدرسة عصراً لنشجع فريقنا الرياضي وبالمناسبة تحاول كل مدرسة اختيار الطلبة الكبار وبعضهم مشاغبون كلاعبين يمثلون فريق المدرسة الرياضي في هذه البطولات وبعضهم التحق بالأندية الرياضية التي بدأت  بالانتشار في بداية الستينات .
     يقام مهرجان رياضي كبير على مستوى مدارس المرحلة الابتدائية وغيرها وقد شاركت في أحد المهرجانات عندما كنت تلميذاً وكنا نتدرب أياماً استعداداً بهذه المناسبة ، وقد حضر وزير التربية ومسئولي الوزارة هذا المهرجان ، حضرنا إلى المدرسة بعد الظهر بالملابس الرياضية وكان الوقت شتاء واعتقدت أننا يجب أن نسلم هذه الملابس إلى المدرسة بعد الانتهاء من المهرجان مباشرة ،  فكنت مشغول البال كيف أذهب إلى البيت بدون ملابس وكما فرحت كثيراً عندما انتهينا وأستاذ الرياضة يدعونا بالذهاب إلى البيت بالملابس الرياضية .

علاقة المعلم بالطلبة :
     كان معلم الأمس أكثر عطاء وإخلاصاً من معلم اليوم وقد يكون ذلك بسبب الامتيازات التي يحصل عليها  منها المعنوية والمادية والتفاني والإخلاص في العمل .
     عندما كنت تلميذا بالمرحلة الابتدائية أرى بعض المعلمين أثناء الفرصة أو الاستراحة يذهب ويجيء في ساحة المدرسة أو أمام الفصول فأقول في نفسي لعله  يعاني من أزمة او مشكلة ،  ولم أدرك أن هناك مراقبة يومية للمعلمين لمراقبة التلاميذ ، على أي حال وصدق حدسي وظني أن أحد المعلمين تأثر بالأحداث السياسية وتفاعل معها خاصة قضية " فلسطين " إلى درجة يجعلنا نتأثر بالقضية وكنا نسمع عن حرب 1956 وأثرها على نفوس معلمينا  وكذلك حرب 1967م .
     كان معلمونا يحبونا كثيراً ، عندما كنت صغيراً بالمرحلة الابتدائية كان يستخرج معلم اللغة العربية تلميذاً تلميذاً ليقرأ أمامه بجواره ويشجعه على القراءة وعندما كنت أقرأ قراءة جيدة يوضع يده على شعر رأسي ويشجعني ، فيترك أثراً طيباً في نفسي وشعرت بهذا الأثر في المرحلة المتوسطة فعندما يسأل معلم اللغة العربية سؤالاً فأجيبه بسرعة دون رفع اليد والاستئذان فيهرول إليه ويصافحني ويطلب زملاء الصف بالتصفيق لي خاصة عندما يكون السؤال صعباً .
     في حصة التربية الفنية ( الرسم) توزع علب الألوان وكراسات الرسم على الطلبة وبعد انتهاء الحصة يجمعها المعلم منهم وكان المعلم يحبب مادته إلى نفوس طلبته ويشجع الممتازين منهم ويعطيهم علب الألوان وكراسات وأقلاماً ، فكم كنت أقضي وقتاً في المنزل وأنا أمارس الرسم نتيجة تشجيع المعلم وتحبيبه المادة لي .
     في الختام لا أريد ان أبخس حق مدرسي اليوم خاصة وبعضهم يتفانى في عمله ، لكنها انطباعات عشتها وأنا تلميذ تتلمذت على أيدي معلمين مخلصين في عملهم .

الاستذكار:
     لم نعد نرى الطلبة في يومنا الحاضر وهم يستذكرون دروسهم في الطرقات العامة والحدائق العامة وعلى شواطيء البحر كما كان الحال بالنسبة لطلبة  الأمس ، طالب الأمس يستعد لاختبار آخر العام سواء كان بالمرحلة الابتدائية ( الصف الرابع ) او في بقية المراحل التعليمية ، أيضا يختلف الاستعداد من صف إلى آخر ويبلغ ذروته في الصف الرابع المتوسط والصف الرابع الثانوي وقد ينخرط الطالب الذي انهى المرحلة المتوسطة في سلك العمل الحكومي وأيضا بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية ويستطيع أن يكمل تعليمه الجامعي في جامعة الكويت التي افتتحت في عام 1966م أو في الجامعات العربية والأجنبية خارج الكويت .
     أذكر أنني بدأت استذكر الدروس عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي لأن الطالب يختبر تحريرياً في معظم المواد الدراسية في هذه المرحلة ، ولا أنسى بعض الليالي وأنا أستذكر دروسي على ضوء المصباح الزيتي عندما ينقطع التيار الكهربائي ـ لم نتعلم كيفية الاستذكار لكن من خلال الممارسة والجد والاهتمام نقضي ساعات من الليل ونحن نستذكر حيث تعطل المدارس لأسبوع وأكثر استعداداً لاختبارات آخر العام ، فقد تكون كثير من طرق الاستذكار خاطئة لكنها تجعل الطالب الممتاز والضعيف يهتم ويستعد  للاختبار ، على أي حال معظم الطلبة خاصة في المرحلة المتوسطة والثانوية  يقضون الليالي خارج المنازل على شكل مجاميع طلابية صغيرة أثنان وثلاثة وأربعة  يراجعون دروسهم ، وترى الطالب الذكي يتولى الشرح والدراسة للزملاء خاصة مع بداية فصل الصيف وقبيل الاختبارات ، وقد يصطحب الطلبة معهم البساط أو الفرش والشاي والقهوة والمكسرات وقد يذهب بعضهم إلى منزل زميله ليستذكر معه أتذكر عندما كنت في الصف الرابع المتوسط أنني ذهبت إلى بيت صديقي ومعنا زميل آخر للاستذكار وكنت لا أسهر طويلا لكن زميلي الذي يريد أن يستفيد من شرحي أخر عقارب الساعة دون علمي ولما ذهبت إلى المنزل وبخني الأهل لتأخيري عن المنزل إلى منتصف الليل .
     وفي المرحلة الثانوية أخذت اتفق مع بعض الزملاء على أن نقضي فترات المساء في أماكن بعيدة عن الضوضاء وكثيرا ما كنت ابتعد عنهم عندما أريد أن أركز على موضوع معين وقد لا يعجب بعضهم ذلك خاصة ويريد أن يستفيد من شرحي وبدوري كنت أقول أنها مادة سهلة أ وموضوع سهل لا يحتاج إلى شرح أو مناقشة جماعية حتى لا نضيع وقتنا وبل علينا أن نركز على الأهم من الموضوعات خاصة وأنا أريد أن أنظم طريقة المذاكرة وفق جدول زمني لنفسي وقد نتفق مع بعض الزملاء على مراجعة مادة ما لنناقش الموضوعات الهامة فيها ولكن مع ذلك أخصص بعض الوقت للمراجعة الفردية كي أعودهم على الاعتماد على النفس في الاستذكار ، وقد يلجأ بعض الزملاء إلى كتابة " وريقات " صغيرة يستعين بها ليغش في الاختبار كنت اعتقد أن هذا أسلوب خاطيء لأنه يغش نفسه قبل أن يغش غيره .

علاقة البيت بالمدرسة:
     قلت إن كثيراً من أولياء الأمور غير مدرك لأهمية التعليم في فترة الخمسينات من القرن الماضي على الرغم من أنهم يسجلون أبناءهم في المدارس أسوة ببقية أولياء الأمور والجيران ، وبعضهم يجدها فرصة لتسجيل الأبناء بالمدرسة ليتخلص من متاعب ومشكلات الأطفال في المنزل .
     لم تكن العلاقة قوية في هذه الفترة بين البيت والمدرسة فلم أر أحداً من أهلي أو أهل زملائي يأتي إلى المدرسة أو أن يستدعى ولي الأمر إلى المدرسة للتباحث بشأن ولده ، وبالمناسبة كان لنا زميل في الصف الثاني الابتدائي كثير الغياب وكان معلم اللغة العربية يضربه بعنف وشدة خاصة على ظهر أصابعه في أيام الشتاء فنشعر بالخوف والرهبة منه ونحن نراه في حالة الغضب والهيجان مع إنا كنا ممتازين في مادته فلم أسمع أن ولي أمر هذا الزميل جاء إلى المدرسة ولم نعرف سبب غيابه وإصرار المعلم بضربه في كل مرة .
     كنا نذهب إلى المدرسة الابتدائية مرتين فترة صباحية ( أربع حصص )  وفترة مسائية ( حصتان) حتى عام 1960 و1961 م عندما أصبحت فترة الدراسة صباحية فقط بهذه المرحلة ، في ذات مرة كنا نلعب بعد الغذاء في الحي ( الفريج ، الحارة ) حتى تحين ساعة الذهاب إلى المدرسة أي الساعة الثالثة شتاء والرابعة صيفاً بعد الظهر وإذا الحي قد خلى من الأولاد فذهبنا إلى المدرسة فاستقبلنا أحد المعلمين فاصطحبنا إلى الناظر ووبخنا لعدم حضور الحصة الأولى وألقى اللوم على البيت .
     أيضا أذكر ان معلم التربية الإسلامية كلفنا بحفظ سورة الفاتحة مع بداية اليوم الدراسي وأذكر لم يتجاوب معه تلامذة الصف وفي كل مرة يهددنا وفي نهاية الأسبوع ( الخميس ) قال انه سوف يضرب كل طالب لم يحفظ السورة يوم السبت ، وأخذت أفكر كيف احفظ السورة ولا أحد يساعدني ولم أخبر والدي بذلك ، وفي الوقت المحدد أخذ المعلم يضرب بعض التلاميذ لعدم حفظهم سورة الفاتحة ولما جاء دوري وأنا خائف من الضرب وبقدرة القادر تلوت السورة كاملة ولم أصدق نفسي كيف تلوت السورة  وشجعني المعلم .     
     كثيراً ما كنت أترك الكتب المدرسية في الصف كما ذكرت سابقا وأنا  بالمرحلة الابتدائية إذ كنت أكتب الواجبات المنزلية في الصف ولعل ذلك يرجع إلى أمية الوالدين في متابعة أولادهم دراسياً أو عدم معرفتهم  شيئاً عن الواجبات المنزلية أو أن يسأل الأب ولده : أين كتبك المدرسية ؟ هذه السلبية من البيت تجعل المدرسة والإدارة المدرسية يضغطون على الطالب بالتخويف والإكراه خاصة الطالب الضعيف حتى لم نشعر بوجود الاختصاصي الاجتماعي بالمدرسة ليتابع مشكلات التلاميذ الدراسية والنفسية والاجتماعية ، أو يقوم باستدعاء أولياء أمور التلاميذ الضعاف ، ولكن الكل في المدرسة يلقي اللوم على البيت ، حتى أن بعض الطلبة الكبار يتسربون من المدرسة ويلتحقون بمراكز محو الأمية ، وكلما كبر الطالب اعتمد على نفسه في حل مشكلاته المدرسية وقد ينحرج ويعيبه زملاؤه  إذا كان كبيراً  إذا جاء ولي أمره إلى المدرسة ، بينما وفي أيامنا الحالية أولياء الأمور يأتون زرافات وبشكل مستمر إلى المدرسة في مختلف المراحل التعليمية لمتابعة أبنائهم دراسيا .
     أولياء الأمور في أيامنا مشغلون بالأعمال خارج المنزل وأكثرهم لا يعود إلا قرب وقت المغرب خاصة في الخمسينات من القرن الماضي وبالتالي لا يجد الوقت لمتابعة أبنائه دراسياً ، لذا يقع الجهد والمعاناة النفسية على الطالب لتحسين وضعه الدراسي ، وكلما كبر ولم يتحسن وضعه الدراسي  يترك المدرسة ويلتحق ببعض الوظائف خاصة الجيش والشرطة وغيرها من الوظائف الشاغلة التي تنتظره .
     اتخاذ الطالب قرار ترك المدرسة والعمل وهو في سن المراهقة يدل على عدم أهمية التعليم لدى البيت ، وقد يدل أيضا على استقلالية هؤلاء الطالب الكبار والاعتماد على النفس ، وقد كنت أفكر وأنا مع بداية دخولي المرحلة المتوسطة كيف أنهي تعليمي لكي أعمل وأساعد والدي الذي لا يعمل لظروف صحية .

الختام :
     انها أيام حلوة قضيناها ونحن تلاميذ وطلبة في عصر كانت الحياة  صعبة ولم تكن ماديات اليوم وزخارف الحياة قد ظهرت بعد كي يتأثر بها الطلبة  ، لذا كان جيلنا جيل يعتمد على نفسه منذ الصغر في الدراسة وغيرها .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق