السبت، 9 نوفمبر 2013

مذكرات الاستاذ س - القسم 2




مذكرات  الأستاذ " س"
بقلم الباحث: عباس سبتي

     تشتمل هذه المذكرات على ثلاث حلقات بطلها أحد المعلمين الذين عاصروا فترة ما بين الخمسينات وإلى التسعينات من القرن العشرين الماضي .

     الحلقة الأولى بعنوان : " عندما كنت معلماً " .
     والحلقة الثانية بعنوان : " تعلمت من طلبتي " .
     والحلقة الثالثة بعنوان: " عندما كنت تلميذاً " .

     إنها مذكرات تستحق القراءة خاصة لجيل اليوم جيل الأبناء والأخوة المعلمين الذين يحبون أن يقتدوا بالجيل الأول ويستفيدوا من خبراتهم وتجاربهم في الحياة العملية .


الحلقة الثانية : تعلمت من طلبتي

مقدمة :
     قال لي : لقد قرأت المذكرات ( مذكرات الاستاذ س) بإمعان ووجدت إنك مؤلف قدير وأمين ـحيث تنقل الحقيقة وتعكس الصورة المعبرة وتضع الحروف على الأوراق دون أن تضيع الكلمات والمعاني .
     بدوري خجلت من هذا الاطناب والمديح وقلت : هذا أقل ما فعلته في حق مربي خدم وطنه وسوف يستفيد منه زملاؤه المعلمين من تجاربه قال: أريد أن أنقل تجارب أخرى لعلها تفيد قطاع المعلمين الذين هم في حاجة إليها خاصة الجدد منهم الذين يحتاجون إلى هذه التجارب وهم يعملون في الميدان ، قلت : تفضل هات ما عندك سستجدني آذاناً صاغية وقلم قلبي يسطر ما تقوله .
     قال: ما أريد قوله هو أن المعلم إنسان يتعلم من الحياة كل شيء فهو قبل أن يكون معلماً يكون متعلماً ويستمر في التعليم وأخذ مناهل الأخلاق من منابعها ، حيث يتعلم المعلم من تلامذته .
     قلت : هذا صحيح ولكن كيف يتعلم المعلم من تلاميذه فهل يصبح المعلم تلميذاً أمام تلاميذه ؟ قال أن المفاجاة جعلتك تنسى أن الأنبياء هم معلمو البشر ، إذ كانوا يتعلمون ويعلمون فالنبي موسى –ع- تعلم من العبد الصالح موافق الصبر وعدم التسرع في إصدار الحكم كما نقل القرآن قصته في سورة " الكهف" والنبي الكريم (ص) يقول أدبني ربي فأحسن تأديبي فهو يتعلم من ربه أثناء دعوته إلى الله سبحانه ومن خلال التدبر والتأمل في مظاهر الكون يتعلم ويعلم أصحابه .
     يفهم من هذا ان المعلم إنسان عرض للنسيان والسهو فهو يستفيد ويتذكر إذا نبه إلى ذلك ولو كان  هذا المنبه تلميذه وقد يكون قولي ثقيلاً بل ومضحكاً لدى بعض المعلمين إلا أنها الحقيقة  إذا أراد المعلم ان يستمر في عمله يحتاج إلى تذكير وتجديد ويحتاج إلى من يذكره ما نسي ويحتاج أن يجدد في عمله فينزل إلى مستويات طلبته ليعرف أسرار أنفسهم فيعلمهم على قدر عقولهم ونفوسهم .
     افترقنا على أن نلتقي مرة أخرى لاستماع إلى الأستاذ " س" وكتابة بعض مواقفه التي مر بها أثناء عمله التدريسي فتعلم من التلاميذ " سر المهنة" ، هذا وتدور أحداث هذه التجارب ما بين السبعينات والتسعينات من القرن الماضي .
عباس سبتي
4/9/ 1995

               
وضوح الخط :
     قال الاستاذ : في بدايات عملي في التدريس كنت أدرس تلامذة احد فصول المرحلة الابتدائية وبعد الانتهاء من شرح الدرس وقبل انتهاء من الحصة اكتب ملخص الدرس واطلب من التلاميذ نقل ما كتبته على السبورة ، وذات وأثناء كتابة الملخص رفع احدهم يده فلم اهتم به ولكن ما زال رافع يده مما جعلني أقوله له وبعصبية حيث أنني شرحت الدرس وليس هناك مجالاً للشرح مرة أخرى ماذا تريد يا ولد؟ قال : وضح خطك يا أستاذ ؟ فانتابني الغضب واخذتني العزة بالأثم فضربت التلميذ الصغير وقلت يا قليل الأدب هكذا تخاطب استاذك ؟
     بعد الانتهاء من الحصة وعند استراحتي في غرفة المعلمين شعرت بالندم على ما اقترفته بحق التلميذ وقلت هذا تلميذ صغير ولا يعرف حدود الأدب ثم أنني يجب أن ان أكون مخلصاً في عملي فلا أخرج من الصف إلا والجميع راض وفاهم الدرس .
     في المرة الثانية بدأت قدر الإمكان أوضح خطي على السبورة واستفسر التلاميذ ما إذا كان الخط غير واضح ، لذا تعلمت من التلميذ كيف أوضح وأحسن خطي ، وهنا تذكرت عندما كنت طالباً في المرحلة المتوسطة كان أستاذ اللغة العربية خطه رديء جداً وكنت أريد ان أقول وضح خطك يا أستاذ أشعر بالرهبة منه  غفر الله له .
     إن من شخصية المعلم وضوح وحسن خطه حيث يتعامل مع كافة التلاميذ الضعيف والمتوسط والممتاز فلا بد من الكل ان يعرف ما يخطه المعلم وقد يكون التلخيص شيئاً زائداً لدى بعض فلا داعي له إلا إن ذلك يعين بعض التلاميذ على فهم الدرس .
     صحيح أن من مهام الموجه الفني توجيه المعلم وإرشاده إلى عيوبه إن صح التعبير إلا أن غياب الموجه مدة طويلة يجعل المعلم صاحب رداءة الخط يكتب دون ان يعلم أن خطه مقروء أو يستطيع بعض التلاميذ نقله في كراسة الصف ، وحتى تنظيم السبورة وكتابة تاريخ اليوم وعنوان الدرس واهم النقاط وغير ذلك يجعل التلاميذ يتفاعلون مع الدرس ، وقد أكون من الذين لا يهتمون بكتابة تاريخ اليوم واكتفي بعنوان الدرس في الغالب ولكن بعد معرفة خطأي عرفت إن اتقان العمل من صميم الخلاق الإسلامية ومن أمانة المهنة ، ولماذا اهتم بتنظيم السبورة في حضور الموجه او الناظر او الزائر ؟ أليست السبورة من اجل ان يفهم التلميذ الدرس فلماذا لا استغلها لصالح التلاميذ .
     وأخيراً تعلمت من بعض التلاميذ إلى جانب حسن الخط ترتيب الصفحة وذلك عندما أصوب كراسات التلاميذ فكنت ألاحظ حسن الخط وترتيب الصفحة مما اجعلني اخجل من نفسي لإهمالي أفلا اكون قدوة للتلاميذ في هذه الأمور ؟

غلطات مطبعية :
     كثيراً ما ينبه الموجه او المشرف الفني أو المدرس الأول المعلمين إلى وجود اخطاء مطبعية في بعض الكتب المدرسية فيطلبان إلى هداية التلاميذ  وتنبيههم إلى تصويب هذه الأخطاء ، ولكن قد ينسى مع زحمة العمل وكثرته إلى تنبيه التلاميذ إلى هذه الأخطاء ففي إحدى المرات عندما كنت أشرح الدرس وأطالب التلاميذ بالقراءة و التمعن نبهني أحدهم على كلمة تخل المعنى العام لإحدى الجمل علماً أنني قرأت الدرس قبل الحصة ولكن قراءة سريعة فلم انتبه للخطأ ، على أي حال صححت الكلمة للطلبة بعد أن مدحت التلميذ وشجعته أمام زملائه ، وشرعت أصحح الأخطاء السابقة واللاحقة في الكتاب وبل وأقول اقرأوا الكتاب جيداً واكتشفوا الأخطاء إن وجدت كما فعل زميلكم .
     إن مشاركة الطالب باكتشاف الخطأ من الأمور الهامة التي تؤدي إلى التفاعل بينه وبين المعلم والمادة العلمية ، إن العملية التعليمية لا تستند على عاتق المعلم فقط بل المشاركة من قبل التلميذ تحبب المادة إلى نفسه ويتفاعل مع معلمه ، وان اكتشاف الخطاء المطبعية من قبل التلاميذ مهم أيضا في اكتشاف الأخطاء في أوراق الإختبارات الشهرية والفصلية ، وذلك ان المعمول به ان الطالب يتلقى اوراق الاختبار دون إبداء أي ملاحظة وحتى لا يؤدي ذلك إلى تلقي الإجابات او أي مساعدة من المعلمين ، لذا يمنع الملاحظين في قاعات الاختبار الإجابة عن أي سؤال ، لكن قد ينبه الملاحظ أو المراقب الطلبة على بعض الأخطاء إلا أن مشاركة الطلبة وتشجيعهم باكتشاف بقية الأخطاء تعطي الفرص إلى التعرف على أخطاء أخرى لم تكن في الحسبان ، لذا فقد تذهب ملاحظات الطلبة أثناء تأدية اختبارات الثانوية العامة أدراج الرياح بحجة اللوائح والنظم حتى الملاحظين عليهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً وقد يعلم رئيس اللجنة إلا أنه لا يريد الخوض في ذلك وما ينجر ذلك إلى تأجيل الاختبار أو أن الأمر لا يعدو أن يصوب هذا وغيره الأخطاء للطلبة حتى يعرفوا كيف يجيبون عن الأسئلة بل يلغى السؤال خارج المنهج الذي وضعه الموجه سهواً فسكوت عنه يذهب ضحيته أبناؤنا الطلبة .

تجديد المعلومات :
     من المقولة الرائجة ان المعلم يلم بكل ما هو جديد ليضيفه إلى المعلومات السابقة لكن للأسف نجد على الرغم من كثرة مصادر المعرفة وتعددها إلا أن المعلم يكتفي بما ورد في الكتاب المدرسي الذي يحوي على معلومات قديمة وغير صحيحة في عصر تفجر المعلومات ، لقد قلت في " المذكرات" ان بعض المعلمين يتباهى بالمعلومات التي عنده أمام طلبته وأمام زملاء العمل خاصة وهذا المعلم جديد في العمل ولديه معلومات ( طازجة ) ولكنه لا يواصل البحث وتجديد المعلومات ويكتفي بما ورد في الكتاب المدرسي ـ بدوري كنت حديث العهد بالمهنة وافتخر بما أملك من معلومات وقد أذهب إلى مكتبة المدرسة وغيرها ليس من أجل إعطاء الجديد للطلبة وإنما من أجل أنانيتي وليقول زملائي انه علامة زمانه ، وأيضا ليعرف الموجه انني أطلع على كل جديد في المادة الدراسية ، لكن الظروف لا تستدعي أن يجدد المعلم معلوماته خاصة وكل سنة تزداد الإحباطات على المعلمين ، وعلى الرغم من ان المعلم في المرحلة الثانوية يسمع من طلبته ما استجد من جديد في ميادين المعرفة أثناء شرحه للدرس لكنه لا يبالي طالما كلف بما ورد في الكتاب المدرسي ، وكنت محظوظاً أن المادة التي أدرسها تتطلب الجديد ، وكنت أطالب طلبتي إحضار كتيبات أو مجلات علمية فيها المعلومات الجديدة ولكن للأسف تتبخر هذه الملومات لأن الطلبة سوف ينسونها و لا يستفيدون منها في حياتهم ، ثم هناك من المعلمين من لا يشجع طلبته على البحث والتنقيب خارج الكتاب المدرسي ، بل ويوبخون أحد طلبتهم أمام زملائه عندما يريد أن يضيف شيئاً أو يصحح معلومة بحجة أن يضيع وقت الحصة ، وبعضهم قد يستلم معلومات في مجلة علمية من أحد الطلبة بعنوان تشجيع الطلبة على البحث لكنه لا يقرأها لأن وقته مزدحم بالثرثرة وشرب الشاي والسيجارة و... .

الصراع الطلابي :
     لا يوجد فصل إلا وتجد فيه التنافس والصراع بين طلبته ، ومحاولة بعض منهم فرض إرادته وقوته على غيره أو سرقة شيء منه ، ويصل الأمر إلى العراك والضرب واللكم والسباب ، طبعاً هذه الظاهرة غير تربوية وقد يكون عدم اهتمام بعض المعلمين وراء استفحال هذه الظاهرة أو أن بعضهم لا يحاول حل مشكلات طلبته بحجة أن لديه عمل وليس هناك وقت كاف لحل مشكلات الطلبة وإنما هذا دور الاختصاصي .
     كنت انزعج كثيراً وأنا في الصف وأشرح الدرس بطالبين يضرب أحداهما الآخر ، وكنت أرسلهما إلى مشرف الجناح أو أفرقهما وقد يكون ذلك حل مؤقت في سلبية موقف مشرف الجناح والاختصاصي الاجتماعي في المدرسة ، وبدأت أدرس بعض المشكلات  ، وأن دور المدرسة ليس فقط أن يتلقى الطلبة المعلومات وحفظها من أجل الامتحان ، وكنت اعتقد ان الاهتمام بالمنهج وعدم التأخير فيه أهم من المشكلات الطلابية ولكن أليس الكل من الوزير والمسئولين والمعلمين وغيرهم في خدمة هذا الطالب فلماذا لا نحل مشكلاتهم والتعامل مع الظواهر السلبية  بالإيجابية وإرشاد الطلبة إلى الأخلاق الحميدة وبناء إنسان واع وصالح ، لذا تفاقم المشكلات الطلابية يعود إلى عدم الحل الجذري لها ، الكل في المدرسة وفي المنطقة التعليمية وديوان الوزارة يركز على المعلومات وتهيئة الطلبة لاختبار ، و لهذه المشكلات نتائج سلبية منها تسرب بعض الطلبة الكبار عن المدرسة أو تحويل بعضهم إلى دور الرعاية الطلابية ، ويقوم بها بجرائم في المجتمع ( جرائم الأحداث) ، لماذا لا نغير المناهج طالما لم تقيم أو تعدل سلوك الطالب المشاغب ، لذا كنت أحاول جاهداً حل المشكلات بين الطلبة قدر الإمكان ، وهذا بدوره يجعلني محبوباً لديهم لأنني أهتم بهم بل ويحبون مادتي ويحترموني وقد أكون وسيطاً بينهم وبين بعض المعلمين الذين لا يهتمون إلا بالمعلومات والاختبار فقط ويهملون ميول الطلبة وما يحتاجونه .
     صحيح أنني فخور بإلقاء المواعظ والإرشادات بين الطلبة وحثهم على التعاون والاحترام فيما بينهم وتحمل المسئولية الملقاة على عاتقهم وذلك إذا سنحت لي فرصة مثل التعارك والصراع بين طالب وآخر داخل وخارج الفصل ، وهذا العمل والاهتمام يجعلني أقدر مهنة التدريس والتعليم .
     وأخيراً تعلمت من الطلبة أن الخطة الدراسية تنجز في أي وقت ولكن حل المشكلات بين الطلبة يساهم في إنجاز الخطة الدراسية لأنني هيأت الطلبة لهذه الخطة والشعور بأهمية الدراسية .

قول الصدق:
     الصدق قضية إنسانية وتربوية ، الكل يحب الصدق الكل يحب أن يصارحه الآخرون بقول الصدق ، الأب يحب أن لا يكذب أبناؤه ، والمدير في إدارته يحب الصدق والمعلم في فصله و
كثيراً ما يسمع المعلم من أحد الطلبة الحلف والقسم بالله تعالى على أنه لم يعمل هذا العمل أو أنه نسي كتابه أن أنه نسي أن يكتب الواجب المنزلي أو ان والده منعه من الاستذكار بسبب كذا وكذا
هناك من المعلمين من لا يصدق طلبته ولو كانوا صادقين لاعتقاده إن الكذب ذريعة في تغطية الإهمال والتقصير في أداء الأعمال المدرسية وهذا يترك أثراً سيئاً على نفسية الطالب ويجعله يبحث عن منقذ لورطته فيصبح صادقاً في نظر أستاذه .
     اعتقد أن التعامل مع الكذب والصدق قضية إنسانية إذ على المعلم ان يتعامل مع الطالب كإنسان بكل أبعاد القضية فهذا الإنسان الصغير يواجه تناقضات نفسية واجتماعية بحكم قلة خبراته وصغر عقله فهو لا يستطيع الخروج من هذه التناقضات إلا إذا مد له يد العون ، وعلى المعلم أن لا يحكم على هذا الطالب على الكذب ولو كان كاذباً بل عليه أن يدرس لماذا يكذب والظروف التي جعلته يلجأ إلى الكذب ، وعند ذلك يكون طبيباً لهذا الطالب ( المريض) فيعالج التناقضات التي يعاني منها ويشعره ان البيت والمدرسة شيء واحد وأن المعلم له بمثابة أب وغذا توع دالكذب بأي ظرف كان في المنزل فعليه أن يكون صادقاً مع معلمه ، واعتقد ان المعلم المخلص لا يترك مجالاً لتناقضات الطالب والظروف التي أجبرته على الكذب بل يتصل بوالديه لحل مشكلته .
     وأما أن الصدق قضية تربوية فهذا لا غبار عليه لأن المربين دعوا على " قول الصدق " ولو كان مراً  ، لذا يحاول المعلم تشجيع طلبته على الصدق وسد المنابع والذرائع التي من خلالها يدخل الطالب في دائرة الكذب ، ويعودهم ان يضعوا صفة " الصدق "امام أعينهم فيما إذا أرادوا ان يرتكبوا خطأ أو تقصيراً ، وسوف تردعهم هذه الصفة ومن جهة تعويدهم على الشجاعة الأدبية في بداية الأمر بمعنى ان يعترفوا على ارتكاب الخطأ أمام المعلم وغيره .
     في حقيقة الأمر وكما قلت سابقاً أن الجو العام في المدارس لا يترك مجالاً لتربية الطلبة على الصدق والاعتراف على بالخطأ ، ولكني اخذت ادرس المشكلة ، صحيح ان هناك طالباً صادقاً وطالباً كاذباً ، إلا أن الأمر يحتاج إلى تتبع ظاهرة الكذب بين الطلبة بل وخارج المدرسة ، وهذا يجعلني ان أقول أن الطالب معذور لأنا لم نربيه على قول الصدق وحتى المعلم الذي لا يخلص في عمله او يستخدم المراوغة والكذب وهذا ما سمعته من الطلبة أنفسهم ان " س" من المعلمين يكذب فكيف نعودهم على قول الصدق ، لذا أقول انني انتبهت إلى هذه الظاهرة وبدأت أعالج نفسي قبل علاج الطلبة إذا كنت استخدم الكذب ولو أحياناً ،و كنت أدرس الأسباب التي تدفع بعض الطلبة يكذب وأخيراً رفعت حاجز التناقض عندما يفكر هذا الطالب ان المعلم قد يكذب أمام طلبته وهو يحثهم على قول الصدق .                          

القول المذموم :
     من الصفا الذميمة التي يملكها المعلم كإنسان صفة الغيبة والتحدث في أعراض الناس وعيوبهم ، لقد تعرضت إلى ذكر بعض الأمثلة في " المذكرات" بان " سين " من المعلمين يتحدث عن المشكلات الخاصة لبعض الطلبة بل وفضح الطالب أمام زملائه لإذلاله .
     الغيبة من كبائر الذنوب كما لا يخفى على أحد ، والكل قد ابتلي بها صغاراً وكباراً ، وإذا كان المعلم يسمع من بعض الطلبة من يتحدث عن عيوب زملائه الطلبة فينهاهم عن ذلك ولكنه لا يعالج هذه الصفة الذميمة في نفسه ، وكنت في البداية من هؤلاء المعلمين إلا أنني أخذت أفكر أن هذه قضية تربوية ودينية بمعنى أن علاج هذه الصفة يبدأ من الإنسان نفسه قبل ان يعالج الصفة في غيره وما موقفه أمام ربه ويقولون له " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم "، لا اعرف متى انتبهت إلى ذلك إلا ان المواقف التي كنت ألاحظها ونتيجة تكرارها جعلتني أحاول علاج هذه الصفة المذمومة ثم أنني كنت أحس بالتناقض أي أنني كنت أحث الطلبة على عدم الحديث في أعراض وعيوب زملائهم الطلبة بينما كنت أتحدث ببعض عيوب الطلبة امام زملائهم ، وفي أحد الأيام وأثناء الشرح لاحظت أحد الطلبة يخل بنظام الفصل مما يعيق عملي ويصرف انتباه الطلبة فأخذت اوجه له كلمات ذميمة حتى أصرفه عن عمله ، وبعد فترة جاءني هذا الطالب وهو يشتكي أن بعض زملائه يعيرونه بالصفة الفلانية لأني عيرته بها ، فخجلت من نفسي بل وكان بعض الطلبة الممتازين يأتي إلي ويشتكي بعض زملائه بأنهم يذكرون عيوبهم أمام زملائه .
     بدأت أفكر في علاج هذه الصفة وأتساءل هل أحب أن يتحدث اللناس عن عيوبي وهل هناك أحد لا يتصف بعيب أو أكثر ؟ لماذا أذكر عيوب غيري خاصة الطلبة منهم ؟ لماذا لا أذكر عيوب الكبار أمامهم بل أذكرها في غيابهم ؟ أي نحن الذين ندعي انا تربي أجيالاً بينما لا نستطيع أن نربي أنفسنا ؟ اعتقد ان تردي الأخلاق والفضائل في مجتمعاتنا يرجع إلى غياب القدوة وممارسة الكبار من المعلمين وغيرهم الأخلاق غير الحميدة ، فأين القدوة الحسنة ؟

تهدئة الأعصاب ( كظم الغيظ ) :
     لا يخلو احدنا من الغضب والذي يمسك اعصابه او يكبحها فهو أشجع الشجعان كما يقول المثل الدارج ، وجاء في الأثر ليس القوي في الصرعة وإنما القوي من كظم او ملك الغضب ،  هناك من يغضب لأتفه الأسباب وكثير من المشكلات التي تحدث بين الطلبة ومدرسيهم سببها عدم السيطرة على الغضب ، وفي الاجتماع السنوي بين الناظر والمعلمين يحث دوما على هذه القضية لأن التلاميذ أمانة في أعناق المعلمين لا يجب إهانتهم او شتمهم أو ضربهم .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق