السبت، 9 نوفمبر 2013

مذكرات الأستاذ س - القسم 1




مذكرات  الأستاذ " س"
بقلم الباحث: عباس سبتي

     تشتمل هذه المذكرات على ثلاث حلقات بطلها أحد المعلمين الذين عاصروا فترة ما بين الخمسينات وإلى التسعينات من القرن العشرين الماضي .

     الحلقة الأولى بعنوان : " عندما كنت معلماً " .
     والحلقة الثانية بعنوان : " تعلمت من طلبتي " .
     والحلقة الثالثة بعنوان: " عندما كنت تلميذاً " .

     إنها مذكرات تستحق القراءة خاصة لجيل اليوم جيل الأبناء والأخوة المعلمين الذين يحبون أن يقتدوا بالجيل الأول ويستفيدوا من خبراتهم وتجاربهم في الحياة العملية .

الحلقة الأولى : عندما كنت معلماً

مقدمة :
     التقيت به بعد سنين مديدة  ولم أعرفه من ملامح وجهه ، ولكنه تذكرني وبعد لقاء قصير عابر تم تحديد لقاء آخر ، عرفت منه في اللقاء الثاني انه متقاعد وانه متذمر ويشتكي من المسئولين بوزارة التربية وأثناء الحديث قلت له :اسمح لي أن أقول لك انك استاذ قدير صحيح انني لم أعرفك أيام الدراسة كثيراً إلا إنك كنت ممتازاً في الدراسة ، لماذا لا تحاول أن تنقل تجاربك إلى الآخرين طالما أنك ترى الأوضاع التربوية في غير صالح المعلم قال لي: أنه تكلم كثيراً في الدواوين ( المجالس ) ونقل صوته إلى بعض المسئولين بحكم الزمالة والصداقة إلا أن ذلك لم يحدث شيء نحو الأفضل .

     قلت : جرب واكتب تجاربك لعل الكتابة تبقى في صفحات الكتب إلى أن يأتي يوم من يتصفح الصفحات ويستفيد من تجاربك ، تردد صاحبي والتمس الأعذار وقال : إن التجارب والممارسة يطلبها أصحابها ويبحثوا عنها وليس صحيحاً أن تكون في الأوراق . قلت: إن التجارب بل العلوم والآداب والحقائق توجد في طي الكتب فيحاول أصحابها استخراجها بالقراءة من الكتب قال: إني أعيش فترة تقاعد وهي فترة راحة وهدوء للبال والفكر ، والكتابة تطلب جهداً يدوياً وذهنياً . قلت: تحاول أن تتهرب من تحمل عبء المسئولية .. مسئولية نقل التجارب إلى الجيل الجديد . قال : كلا و إنني أعيش مشكلات وظروف خاصة وصراع مع الحياة وغلاء المعيشة وأنت تعرف أن الكتابة فن ومهارة وأنا أفقدهما . قلت: حاول أن تتذكر تجاربك وأنقلها لي وأنا بدوري أحاول أن أصيغها في أسلوب سهل ، قال: إن تجارب سنين عديدة لا تحكى في جلسة واحدة ثم كيف تنقل تجارب إنسان لا تعرف ظروفه وإمكاناته ونفسيته خلال هذه السنين تصل أكثر من عشرين عاماً وحتى إذا نقلت هذه التجارب فأنها قد لا تكون صادقة ودقيقة في التفاصيل بحيث يستفيد منها الآخرون . قلت: هذا صحيح إلى حد ما ولكن هذا السبب لا يمنع أن أنقل لمعلمي اليوم والغد ولو جزئياً تجارب معلم عاصر عقدين من حقبة التعليم بالكويت ، وثق تماماً إنني أحاول أن  أكون أميناً للمحافظة على جوهر الفكرة ولا يضيع المعنى في صدى جدران الأوراق عندما يخرج المعنى من قلب المتحدث ( منك ) وهدفي أن أقف مع أمثالك وأسمع همومكم بعد أن خرجتم من دائرة الحضور والمشاهدة وذهبتم إلى دائرة النسيان واللامبالاة خاصة بعد التقاعد ، وقد لا ألتزم بنص المذكرات وقواعد إخراجها ولكن أحاول جاهداً أن أنقل الفكرة وكما قلت لك بكل وضوح وأمانة ، وأحاول أن أركز على تجربة واحدة في كل موضوع وأضع لها عنواناً يتمشى مع فحوى التجربة وذلك حتى لا تضيع الأفكار وتختلط ببعضها بعض ويستطيع صاحب الشأن أو المستفيد أن يتابع هذه التجارب .
     تجري أحداث هذه الذكريات ما بين السبعينيات والبداية التسعينيات من القرن العشرين ، ولعل هناك أموراً قد تغيرت في سلك التدريس بعد ذلك لذا نطلب من القارئ استماحة العذر ، وشيمة الكرام قبول العذر والصفح عن الخطأ .
     وأما لماذا وضعت حرف " السين "  بعد  كلمة  الأستاذ ليس معناه أنه الحرف الأول لاسم الاستاذ ولكن وكما قال لا يحب ان يعرف عنه خاصة بالنسبة لتجاربه وقد تتولد لدى بعض حساسية وردة فعل اتجاهه من قبل زملائه المسئولين بالوزارة .
                                                                                                  عباس سبتي
    4/2/1995م


تجربتي الأولى :
     لم أكن في يوم من الأيام أفكر أن أكون معلماً ولكن الظروف أنذاك أجبرتني على ذلك ، كنت في الصف الأول الثانوي عندما بدأت أفكر بالالتحاق بمعهد المعلمين وبدأت أقارن بين المكافأة الشهرية التي تمنح للطالب المعلم والراتب بعد التخرج  وبين أن أواصل تعليمي الجامعي وما بعد الجامعة .
     كنت أفكر أن التدريس فن و مهارة وحب وأنه من المهن الشريفة بل وأفضلها وأن الأنبياء كانوا معلمين البشر والإنسان لا بد أن يتصف بصفات معينة كي يكون معلماً ولكن هناك نقطة اعتراضية وهي أن الإنسان جبل على حب الأطفال والعطف عليهم وأن هذا  الإنسان سيصبح أباً في المستقبل فهو يتحمل مسئولية تربية الأولاد وهل كل أحد يتحمل ثقل المسئولية هذه أو أن كل  معلم  يحب أطفال الآخرين ؟ على أي حال التحقت بمعهد المعلمين وكنا نسمع من الأساتذة اننا معلمو المستقبل بل وقال بعضهم أنكم معلمون اليوم عندما تمارسون التربية العملية في المدارس ، وكنت أحب  أن أدرس أكثر من حصة أيام التربية العملية وكذلك مع بداية تخرجي من كلية إعداد المعلم وكنت أتساءل لماذا يكلفني أحد المعلمين الزملاء سواء رسمياً أو ودياً أن أشغل حصته ـ صحيح أنني أحس بالرغبة والنشاط وأنا في الصف وأمام التلاميذ ولكن ما هو السبب لم أعرف  ذلك إلا بعد سنين من التدريس وذلك بعد زيادة الأعباء والتكاليف الرسمية وغير الرسمية على كاهل المعلم وعدم تقدير جهود المخلصين منهم .
     يمكن القول أني كنت أشرح الدرس شرحاً مسهباً إلى درجة تنتهي الحصة ولم أنته من بقية خطوات الدرس وهذه الشمولية او التفاصيل تلازم المعلم الجديد ليظهر بمظهر أنه علامة زمانه أمام الأطفال دون مراعاة لمستواهم العقلي ، وقد تكون لهذا المعلم الجديد طاقة وحيوية ونشاط زائد يحاول أن يفرغها في الرياضة او السرعة الزائدة أثناء قيادة السيارة أو عدم السيطرة على اعصابه عند الغضب بالاعتداء على الآخرين بالضرب واللكم ، فهذا المعلم الشاب يحث طلبته على التحلي بالأخلاق الفاضلة واستغلال الأوقات بالأعمال النافعة والتعاون مع الآخرين ، إلا أنه مجرد كلام يتلفظ به امام طلبته في حجرة الدراسة ، بل يصل الأمر أن يلبس خارج المدرسة آخر صيحات الموديلات ( الملابس وغيرها ) تتلائم مع أمثاله من الشباب والمراهقين .

الضرب المبرح :
     دخلت الفصل في بداية الأسبوع ( السبت ) وطلبت من التلاميذ الواجب المنزلي الذي كلفته لهم ثم مررت عليهم فلاحظت القليل منهم لم يكتب الواجب فأخرجتهم بجوار السبورة وأخذت أضربهم بالعصا على أيديهم ، ذلك أن العصا شيء مألوف فالكل يحملها في المدرسة حتى ناظر أو مدير المدرسة ، بل وأتذكر أيام الشتاء الباردة كيف أن بعض التلاميذ يتألمون من الضرب ويبكون طويلاً طوال الحصة  صحيح أن العقاب البدني يرفضه المربون وتمنعه بعض المدارس في الغرب والشرق إلا أن ذلك لم يزيل عادة  ضرب التلاميذ من نفس المعلم ، وقد يبرر بعض المعلمين أن حمل العصا في الفصل يعني ضبط نظام الفصل والسيطرة على التلاميذ  ، وقد لا يستخدم المعلم في المرحلة الثانوية الضرب إلا نادراً وقد يلجأ كثير من المعلمين إلى المراوغة ولين الجانب كي يتجاوب معه الطالب خاصة وهناك حالات عديدة من الاعتداء على المعلم خاصة الوافد منهم من قبل بعض الطلبة المراهقين بعد أن هذا المعلم استخدم الشدة مع الطالب المشاغب وظهرت صيحات عالية تطالب بسن تشريع لحفظ حقوق المعلم في مجلس الأمة .
     لقد كنت عصبي المزاج وأعاني من القرحة في المعدة المزمنة وأتناول كبسولة يومياً كعلاج لهذه القرحة ولعلها تهدأ أعصابي فقط ولا تبراها ، خاصة وقد كنت أعاني من إثارة اعصابي من بعض طلبة الثانوية فأقابلها  بكبح غضبي والسيطرة على أعصابي  نتيجة لتناولي هذا العلاج ، وقد يعرف كثير من المعلمين أن العقاب البدني محرم من الناحية الإسلامية ولكن نادراً من يتقيد بهذه الحرمة نتيجة لظروف المدارس وإشاعة الفوضى بها خاصة لمن لا يريد أن يتعلم من الطلبة الكبار والراسبين ، ولا تستطيع إدارة المدرسة السيطرة على الطلبة المشاغبين بالمرحلة الثانوية ، لذا بعض المعلمين تنتابه إنابة الضمير وهو يستخدم الضرب مع تلاميذه ولو أنه يشتكي من فقدان الأعصاب أ والغضب خاصة مع أخطاء تلامذة المدارس إلا أن يعلم أن عملية التدريس تعود المعلم على السيطرة على الأعصاب وتنظيم الوقت والأفكار ومعالجة المشكلات بالحنكة والدراية .

مع الإدارة المدرسية :
     لم أكن أعرف شيئاً عن الإدارة المدرسية في بداية عملي وإنما هناك غرف عليها مسميات وظيفية مثل غرفة الناظر وغرفة الوكيل وغرفة الاختصاصي الاجتماعي وغرفة ... .
     هناك مدارس تكتفي بغرفة الناظر وغرفة الوكيل ويطلق عليها " إدارة المدرسة " ويهتم بعض النظار بتنظيم الغرفة ووضع الكؤوس وشهادات التقدير والشكر فيها خاصة فوز طلبة مدرسته ببعض الألعاب الرياضية أو الفوز بالمسابقات العلمية و الثقافية بين المدارس أو يضع الناظر أو الوكيل في غرفته كل شهادات تقدير وشكر على ما أسهما من جهد او اجتياز دورة تدريب أو ... .

     الاهتمام الزائد بديكورات غرفة الناظر ووضع الزهور والنباتات الطبيعية والصناعية والصور الزيتية والمناظر الطبيعية يغلب على بعض النظار والناظرات أكثر من الاهتمام بالتحصيل الدراسي لطلبة المدرسة  أو وضع خطط متابعة الطلبة الضعاف وتفقد الفصول الدراسية  ومتابعة مرافق المدرسة وصيانتها خاصة مشارب ودورات المياه خاصة بالطلبة والملاعب والمراسم والمختبرات .

     بعض النظار يمنع دخول الطلبة إلى إدارة المدرسة حتى أن بعض التلاميذ لا يعرفون ناظر المدرسة خاصة الذي لا يخرج إلا نادراً من غرفته ولعل بعض المعلمين الجدد من لا يتعامل او يخالط الناظر إلا قليلاً أو لأنه ه ليس من ( شلته) .              

     في بداية عملي كمعلم كنت لا أدخل غرفة الناظر أو الوكيل إلا عند الضرورة ، وكنت أحاول ألا أكون من حاشية هذا وذاك ولا أريد أن أضيع وقتي بالكلام الفارغ وعندي تحضير درس الغد أو تصحيح كراسات التلاميذ او رصد درجات أو.. لكن بعض المعلمين من حاشية الناظر يريد أن يصبح على الناظر ويثبت وجوده ونفسه ويجدد ولاءه اليومي أو يقضي حاجات الناظر خارج المدرسة خاصة عندما يشم رائحة التقارير السرية لتقويم المعلمين وقد نجح بعضهم وارتقى وكيلا او مشرف جناح أو ،  لذا عرفت بعد سنوات أن هذا الأسلوب المعوج أفضل عند النظار من الابداع في العمل او الإخلاص فيه أو العمل المستمر الدؤوب .

     بعض المعلمين لا يخرج من غرفة الناظر ولو كان عنده حصة رسمية حتى يأتي مشرف الجناح إلى الإدارة طالباً من صاحب الحصة أن يشغل حصته دون أن يأخذ الناظر موقفاً ضد هذا المستهتر لأنه من حاشيته ، لذا هؤلاء يشكلون مشكلة في المدرسة خاصة وهم من يكثر الغياب فيشغل حصصه بقية معلمي القسم العلمي أو لا يحضر دروسه أحياناً وإن اشتكى الموجه الفني منه إلى الناظر ، بل وصل الأمر أنني كنت يوماً رئيس قسم اشتكي منه إلى الناظر من إهماله وتقاعسه فأسمع من الناظر التوبيخ والذم له ولكن دون أن يكتب تقريراً بتقاعسه أو يكتب تقريراً لكن المعلم المتقاعس عنده ( واسطة ، نفوذ ) في الوزارة .

     بعض النظار يمنع من دخول الطلبة إلى إدارة المدرسة حتى ان بعض التلاميذ لا يعرفون ناظر المدرسة خاصة الذي لا يخرج إلا نادراً من غرفته ولعل بعض المعلمين الجدد من لا يتعامل او يخالط الناظر إلا قليلاً أو انه ليس من ( شلته) بعض النظار من يحاول ان يحضر الطابور الصبحي في بعض الأوقات خاصة إذا أحس أن هناك من المسئولين سوف يزور المدرسة ، وبعض النظار من يكلف وكيل المدرسة بالقيام بدور المراقب الصباحي وإحساس المعلمين والطلبة بوجود إدارة المدرسة في كل مكان ، وبعض النظار يتأخر عن الطابور الصباحي مما يسمح لبعض المعلمين التأخر عن حضور او عدم حضور مما يسبب ذلك إلى الفوضى وعدم سيطرة معلم التربية البدنية على الطابور ، وكنت من الذين لا يحضرون طابور الصباح في بعض الأحيان خاصة مع بداية عملي ولكن لما تزوجت وتحملت أعباء مسئولية البيت والأولاد تغيرت عادة التأخير وغالبا كنت أحضر مبكراً قبل الطابور .

     عاصرت ناظراً لا يغادر غرفته إلا إذا أراد الذهاب إلى دورة المياه وقد يكلف وكيل المدرسة ببعض المسئوليات ومنها حضور طابور الصباح ، مع أنه في نهاية السنة الدراسية يزور هذا الناظر المدرسين لتقييمهم آخر السنة  وغالبا لا يبدي أي ملاحظة للمعلمين القدامى والجدد ، وفي المقابل عاصرت ناظراً عندما يدخل علي في الحصة يجلس دقائق على الكرسي ثم يذهب إلى خزينة كراسات التلاميذ ويتصفح إحدى كراساتهم ثم يقول لماذا لا تصحح التمارين أقول له إنني اعطيت الدرس اليوم ولا أستطيع أن أصحح الكراسات في الفصل وبعد ذلك يخرج وأنا واثق انه لا يصدق كلامي أو لا يقتنع به على الرغم من أنه يلاحظ تاريخ درس اليوم  ، لذا كانت تقاريره عني لا تكون في حجم نشاطي وإخلاصي في عملي .

     لذا أقول كيف يقيم الناظر معلميه خلال خمس أو عشر دقائق ومرة واحدة في السنة ، ولا يسمع شرح المعلم او يسأل بعض التلاميذ ، وهذا الأسلوب يستخدمه الناظر سنة بعد سنة مع المعلمين وأما حاشيته فأنه نادراً يدخل عليهم في الصف ويكون بعضهم مشرف الجناح وهذا يكفي ان يمنحه تقرير " امتياز" .

     ويكلف بعض النظار وكيله بوضع تقارير عن المعلمين كما سمعت من أحد الوكلاء وقد يصارح الوكيل زميله المعلم خاصة إذا عرف أنه اعطاه " امتياز" ولكن يتفاجأ أن الناظر قد غير درجة التقرير لماذا إذن يكلف الوكيل  بوضع درجة التقرير طالما لا يثق به وقد لا يأخذ الناظر برأي رئيس القسم أو المشرف الفني أو الموجه الفني في بعض الأحيان حسب شخصية الناظر .

     وفي بعض الأحيان يكون وكيل المدرسة دوره هامشياً خاصة عند الناظر الذي يتدخل في الصغيرة والكبيرة من الأعمال  وغالباً تكون شخصية الوكيل ضعيفة او لا يثق به الناظر ، ولو انه من المفروض الوكيل ينيب عن الناظر في غيابه وتكون له صلاحيات إدارية خاصة بالناظر حتى في حضور الناظر وصلاحيات اخرى في غيابه لكن كل ذلك تمنع عن هذا الوكيل ،  لماذا؟

     بحكم تجربتي كنت أعطف على هؤلاء الوكلاء الذين لا حول لهم ولا قوة وموقفهم ضعيف حتى أمام الطلبة من الأمثلة أن الناظر لا يسمح لأي معلم يجلس ساعة فراغه في غرفة الوكيل بينما يسمح لحاشيته الجلوس لساعات في غرفته وقد تحدث مشادات أو صدامات كلامية بين الناظر والوكيل خاصة إذا أراد الوكيل أن يستخدم بعض صلاحياته وقد سمعت أن هناك لجنة تقصي الحقائق من قبل وزارة التربية تتدخل للإصلاح ونتفاجأ بنقل الوكيل إلى مدرسة أخرى على الرغم من أنه مظلوم .

     يعتبر الاختصاصي الاجتماعي من الإداريين بإدارة المدرسة وغالبا تكون غرفته ضمن غرف إدارة المدرسة وقد يكون الناظر حاذقاً عندما يجعل غرفة هذا الاختصاصي قريبة من الفصول الدراسية ليتابع الطلبة ومشكلاتهم عن قرب ويستطيع الطالب أن يبث همومه إليه ويذهب إليه متى شاء .

     وكنت أثناء المراقبة الأسبوعية أفض المنازعات الكلامية والجسمية بين الطلبة بالتي هي أحسن وقد اصطحب الطالب المشاغب إلى الاختصاصي لحل مشكلته وأنا واثق انه لا يحل ولا يربط كما يقول المثل ولعل من أسباب ذلك لهجة الاختصاصي حيث تختلف عن لهجة الطالب فلا يفهمه لذا يستعين هذا الاختصاصي ببعض المعلمين الكويتيين وقد لا يعرف هذا الاختصاصي عادات وتقاليد الخليجيين خاصة عندما يكون جديداً في عمله وهذا يشكل له تحدياً كبيراً في عمله .

     وتلعب العلاقات الشخصية دورها في إعاقة مهمة الاختصاصي فمثلاً بعض أولياء الأمور يزور الاختصاصي لساعات وهو يشرب الشاي ويثرثر معه ولا يجعل الاختصاصي يتابع عمله بل ويوصي ولي الأمر هذا الاختصاصي الاهتمام اكثر بولده وقد يكون راسباً أو ضعيفاً في مستواه التحصيلي وقد يحاول  الاختصاصي نقل الطالب من صف إلى آخر لوجود مشكلة يعاني منها الطالب إلا أن بهذا التصرف لا تحل مشكلته ، أو أن الاختصاصي قد يستدعي المعلم من صفه لمقابلة  ولي أمر طالب وهو مسئول كبير الذي  لا يمكث وينتظر حتى ينهي المعلم حصته  لأنه مستعجل ولك ذلك تزيد وتتقوى علاقة الاختصاصي بأولياء الأمور الطلبة .
      
     وقد يكون الاختصاصي همزة وصل بين البيت والمدرسة خاصة عندما يخلق الطالب مشكلة تستدعي تعاون البيت مع المدرسة في حلها ، ويعتمد ناظر المدرسة على الاختصاصي في استدعاء ولي امر الطالب صاحب المشكلة وبحكم تجربتي فان حضور ولي الأمر إلى المدرسة ومقابلة الناظر أو الوكيل أو المعلم لا تحل المشكلة خاصة مشكلة المشاغبة والسلوك العدواني بل وحتى المشكلات الصغيرة لا تحل بجهود هذا الاختصاصي ، ومن وظيفة الاختصاصي استدعاء أولياء الأمور بعد استخراج نتائج الاختبارات الفصلية وقليل منهم يحضر لمناقشة المعلمين في هذه النتائج ، مع عدم اهتمام بعض الأولياء بمستوى أبنائهم الدراسي فأنهم لا يأتون إلى المدرسة لمناقشة الأمر مع إدارة المدرسة .

     كان يطلق على الموجه الفني في السابق اسم " المفتش" لكن تغير هذا المسمى لما لهذا المسمى من سلبيات إلا أن كثير من  الموجهين لا يتعدى دورهم سوى " التفتيش وتصيد أخطاء المعلم في الفصل ، الموجه بشر يتأثر بالعاطفة والأهواء كثيرا من المعلمين لا يستحقون " الامتياز" إلا أنه يحصل على " الامتياز" لأن له علاقة شخصية بالموجه أو قدم المعلم له خدمة يوما ما ، وقد يؤثر ناظر المدرسة على الموجه كي يغير درجة تقدير المعلم من " ضعيف "  إلى " امتياز" أو بالعكس  وهذه من السلبيات التي نعاني منها في نظام تقويم المعلم وهو تعدد من يقوم بتقويم المعلم ، وهذا المر ينعكس كذلك على لجان المقابلات الشخصية حيث يؤثر " س" من المسئولين على الآخر في وضع الدرجة لترقية المعلم أو عدم ترقيته ، حبذا لو يضع كل عضو في اللجنة درجته ثم تحول إلى لجنة خاصة ومحايدة دون معرفة أسماء المعلمين مهمتها دراسة درجات أعضاء اللجنة السابقة واستخراج متوسط الدرجة لكل معلم .

     هناك أسلوب معين يتبعه الموجه الفني لدى زيارته للمعلم إلى درجة يكرر ذلك الأسلوب مع كل المعلمين فيعرف المعلم على النقاط التي يركز عليها الموجه فيهتم بها ، فمثلاً موجه اللغة العربية يهتم فقط بالقراءة ومعرفة كم طالباً ضعيفا بالقراءة في الفصل ، وبعض الموجهين مهمتهم تصفح كراسات الأنشطة الصفية للطلبة طالما كان جالساً في الصف وهو يقيم المعلم كأن مهمته تنحصر في الاطلاع على كراسات الطلبة فقط .


هيئة التدريس  :
     القسم العلمي في أية مدرسة عبارة عن مجموعة من المعلمين في مادة علمية واحدة ويرأس هذا القسم رئيس قسم أو مدرس أول ، وقد كانت المواد قبيل السبعينيات من القرن الماضي عبارة عن مجموعة آداب ومجموعة علوم كما في المرحلة الابتدائية ، في بداية عملي كمدرس في المرحلة الابتدائية لم أعرف عن القسم العلمي للمواد الدراسية كما نسمع عنها في المدارس المتوسطة ( الإعدادية ) والثانوية ، كل ما في الأمر أن مجموعة من مدرسي المواد المختلفة يجلسون في غرفة أو صالة كبيرة وقد يشاركهم مشرف الجناح في هذه الغرفة ولكن بشكل عام يخصص لمشرف جناح غرفة بقرب الفصول التي يشرف عليها .

     هناك مدرسون لا يعرفون عن بقية إخوانهم المدرسين في المدرسة ولا بأسمائهم وفي الأقسام العلمية للمواد الدراسية أما بسبب كثرة الحصص وأعباء اليوم الدراسي وأما بسبب  الحالة النفسية أو الانتمائية للمعلم  وقد  تقف إدارة المدرسة وراء تفكك أواصر العلاقة بين المعلمين ولو أن ناظر المدرسة في الاجتماع الأول للعاملين في المدرسة يحث على التعاون والترابط بينهم .

     وقد سمعنا كثيراً عن مشاحنات وصراعات بين المعلمين من جنسيات مختلفة بسبب قضايا سياسية وغيرها ، ودور الصحافة المحلية والخارجية في تأجيج هذه الصراعات ، وقد منعت وزارة التربية قراءة الصحف اليومية بالمدارس  للقضاء على هذه المشاحنات ، للأسف تدهور العلاقات بين المدرسين من الجنسيات العربية المختلفة يرجع إلى تفضيل معلم " س "  على معلم " ص" مثلاً أو منح الأول درجة " امتياز " وحرمان الثاني منها لأنه لا ينتمي إلى جنسية الناظر أو المدرس الأول  ، كذلك إشراك مدرسي جنسية معينة في أعمال المراقبة والكنترول أيام امتحانات الثانوية العامة وحرمان مدرسي الجنسيات  الأخرى .

     في المرحلة المتوسطة كانت علاقتي وثيقة بالأخوة المعلمين العرب دون تفريق بين هذا وذاك ، ذات مرة طلب ناظر المدرسة في مسابقة عن أفضل مدرس أول وأفضل مدرس وأفضل إداري ، فوجئت للأسف أن التكتلات قد ظهرت بين معلمي الجنسيات العربية حيث اختار المعلمون مرشحهم من نفس الجنسية التي ينتمون إليها وقد تتكتل الجنسيات ضد جنسية أبناء الوطن بصورة غير علنية لا يشعر بها إلا الفطن .

     تكثر الزيارات بين المدرسين في الأقسام العلمية أيا الاختبارات الفصلية واختبار آخر العام                                                           حيث يحاول بعضهم أن يعرف درجة الطالب " فلان " أو أن يزيد من درجته أو أن يرفع من معدله ، في فترات محدودة تكون هناك هدنة ووئام بين المعلمين ، وعادة الاهتمام بالطالب " فلان" مثلاً تنتقل إلى لجان الامتحان والمراقبة بعض المعلمين لا يذهب إلى لجنة الامتحان لأن أكثر أعضائها من جنسية عربية معينة فيذهب إلى أحد المعلمين الذي ينتمي إلى هذه الجنسية لتسهيل مهمته - إن صح التعبير - وبعض منهم يحاول أن ينتقل من فصل إلى آخر بحثاً عن ضالته المنشودة ( الطالب " فلان" ) لمساعدته بحل إجابات الامتحان أما لأن هذا الطالب ينتمي إلى جنسيته أو أن أحد الأولياء أمره بذلك من أجل مساعدته خارج المدرسة أو من أجل حفنة من المال والله أعلم .

     يستخدم بعض المدرسين الأوائل سلطته على معلمي جنسيته ، وقد يضغط على معلمي قسمه لأي سبب ، وفي الاجتماع يتصدر المدرس الأول أوامره ولكن في النهاية يتعاطف مع معلمي بلدياته بمنحهم " درجة " امتياز " ويحرم غيرهم من هذه الدرجة إذا استطاع أن يؤثر على ناظر المدرسة وبعد أن يضمن رأي الموجه الفني الذي ينتمي إلى جنسيته .

     ظهر مسمى " المشرف الفني " أو مشرف المادة لمن له خبرة طويلة في مجال التدريس وحصل على آخر تقريرين " امتياز " وقد يكون له مؤهل جامعي ، وقد يشرف المشرف الفني على معلمي مواد مجموعة الآداب : لغة عربية وتربية إسلامية واجتماعيات ، أو يشرف على معلمي مجموعة العلوم  :رياضيات ، علوم ويخصص لكل مجموعة غرفة خاصة بها وهذا ما نشاهده في المرحلة الابتدائية في ابداية السبعينيات من القرن الماضي .

     بحكم طبعي الاجتماعي أو نزعتي الاجتماعية كنت أذهب لزيارة المعلمين في أغلب الأقسام العلمية في المراحل التعليمية التي كنت عملت بها ، فكنت أسمع عن المشكلات  للمعلمين وكنت أواسي بعضهم لأنه كان مظلوماً وكنت أحاول أن أتدخل في أمور لا تخصني مما يؤثر على علاقتي بالإدارة أو بالمعلمين الآخرين وذلك بحسن نية وعلاج مشكلة وقد أكون متطفلاً نوعاً ما ، أو أكون متأثراً نفسياً ومتعاطفاً مع " سين " من المعلمين المهضوم حقه وفجأة تظهر أنها مشكلة " عويصة" وتحتاج إلى حلول جبارة وقد أكون مخطئاً في حساباتي ولكن حبي لمساعدة هذا وذاك من المعلمين يحجبني عن الإحاطة بأبعاد ما يجري بين المعلمين وإدارة المدرسة من أمور خاصة مع بداية عملي ، وقد يستغل بعضهم طيب فلبي وسذاجتي فيؤثر علي فأقف إلى جانبه ضد الجانب الآخر أو أحاول أن أتزلف إلى إدارة المدرسة لتلميع صورة المعلم  وتخفيف الأعباء عليه .

     على أي حال بعد مرور سنين مديدة أثناء عملي في المدارس عرفت خطأي فبدأت أخفف من زياراتي للأقسام العلمية على الرغم من أنني كنت اقترح تكثيف زيارات المعلمين بين الأقسام العلمية في المدرسة .

     هناك ظاهرة متفشية بين بعض المعلمين وهي الحديث عن المشكلات الخاصة لبعض الطلبة وأسرهم فمثلاً يقول " سين" من المعلمين أن والدة طالب " فلان" حضرت إلي وحدثتني عن مستوى ابنها وتطلب مني أن أساعده لأنها  مطلقة وأبوه لا يسأل عنه وقد يصل الأمر إلى عقد علاقة خاصة بينهما ، وقد يعير معلم " سين " أحد طلبته ويتهمه و.. كل ذلك نتيجة لبث ونشر أسرار الأسر  ومشكلاتها بين بعض المعلمين واستغلال بعضهم هذه المشكلات لتحقيق مآرب شخصية .


هناك تعليق واحد:

  1. سبحان الله
    رغم أني في هذا العام لم أكمل أربع سنوات في عملي وكيلة مدرسة إلا أن كثيراً من الأمور السلبية التي ذكرها الكاتب على لسان الراوي الأصلي تتكرر إلى الآن و باستمرار في بلادي السعودية وبالأخص مع تقليص عدد الوكيلات في مدارس البنات نتيجة العجز والفشل التخطيطي الذي أصيبت به وزارة التعليم والذي بدأ منذ خمس سنوات تقريباً عندما استغنت عن عدد كبير من أكفأ المشرفات وحولتهن إلى وكيلات أو مديرات رغم رفضهن واحتفاظها بعدد آخر ممن لديهن حصانة الواسطة!
    أخذ هذا العدد الكبير من المشرفات يحاولن تطبيق ما تعلمنه من حرص على العمل والتنظيم في بيئة مدرسية تعودت على الإنفلات و وجدت هذه الفئة المظلومة نفسها بين أنياب مديرات كن يتلقين منهن التوجيهات فأصبح البعض مسايراًللإنفلات أما البعض الآخر المقاوم للعوامل الخارجية فقد حارب في ميدان شرس من أجل فرض النظام ولكنهم كانوا يحاربون بلا سلاح.

    ردحذف