الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

حركة الأنبياء من واقع القرآن




حركة الأنبياء من واقع القرآن
الباحث: عباس سبتي
1988م

المدخل :
     تعرض الكتاب قديما وحديثاً إلى الأنبياء ولكن بعضهم أنصفهم وكثير منهم نقص من قدرهم ، هناك من عالج قصصهم معالجة لا تمت بصلة بعصمة الأنبياء ولا مقامهم الشريف كما هو واضح لمن يقرأ العهد القديم ( التوراة ) والعهد الجديد ( الأنجيل ) ، وبعض الكتاب المسلمين من ركز على تصرفات الأنبياء وحياتهم الخاصة مما طغى على ذكر مهامهم الأساسية حتى أن بعضهم ذكر أن قصص القرآن هدفهم الأول تسلية نبي الإسلام  (ص) فقط ، وهناك من لم يعترف بنبوة بعض الأنبياء بل قال أنهم يبحثون عن الشهرة والزعامة الاجتماعية والسياسية من خلال خداع البسطاء من الناس كما نادى بذلك بعض الكتاب الغربيين والشيوعيين .
     وحري بنا نحن المسلمون أن نعرف منزلة هؤلاء الأنبياء العظماء ولا نبخس حقهم في نشر الهداية الإلهية وإخراج الناس من ظلمات الجهل والفساد إلى نور العلم والعزة والكرامة ، وهؤلاء الأنبياء أتاهم تعالى من العبقرية الفذة وبعد النظر والمؤهلات الأخرى لتعرف البشرية أنها تنتمي إلى هؤلاء العظماء وتفتخر أنها ارتبطت بخالقها الكريم من خلال التعرف إلى هدف خلقها .
     إن مدرسة حركة الأنبياء يجب أن تعالج من جميع النواحي لا من جانب وجانب ، أريد أن أطرح الإطار العام لحركة الأنبياء كما جاء في القرآن للاستفادة منها والسير على خطاهم وذلك لأنا نعاني كبشرية  وليس كمسلمين فقط من الانحراف في العقيدة والسلوك ( الواقع ) والقيادة .

المجتمع الإنساني :
     هناك من يقول لماذا لم يتعرض القرآن لجميع قصص الأنبياء ويتناول قصصهم على نمط الفن القصصي المعروف كي يتفاعل معها العامة والخاصة ؟ في الحقيقة ليس القرآن كتاباً تاريخياً يتناول تاريخ الأمم والشعوب وإنما هو كتاب هداية وتربية النفس وإرشاد القلوب وتقويم السلوك ولرسم منهج الحياة ، وإذا تعرض القرآن إلى ذكر بعض الأمم وقصص أنبيائها فأن ذلك يرجع إلى علاقة المجتمع القرشي المكي بهذه الأمم من قريب أو بعيد خاصة في الشام عند ذكر قوم صالح أو اليمن عند ذكر قوم هود أو في العراق عند ذكر نوح وإبراهيم ، كذلك تعرض القرآن إلى ذكر اليهود والنصارى بكثرة لأنهم معاصرون للدعوة الإسلامية وكان بعضهم يعيشون في مكة ويثرب ، وكان العرب يتعاملون مع بعضهم تجارياً بالشام واليمن ويثرب قبل الدعوة ، وبعض اليهود والنصارى كانوا ضمن المجتمع البشري بمكة ويثرب يعملون بالحدادة والبناء وإدارة اعمال الصيرفة لزعماء قريش (1) ، وكان أهل مكة يحترمون اليهود لأنهم أصحاب  كتاب وعلم  وكان يأمل نبي الإسلام أن يدخلوا في الإسلام لوجود قواسم مشتركة بينهم وبين المسلمين ، إلى جانب لم يتعرض القرآن إلى ذكر الأمم البعيدة جغرافياً عن الجزيرة العربية لعدم معرفة العرب بها ولعدم معرفتهم بالعلوم الإنسانية من الفلسفة ومشتقاتها خاصة بلاد اليونان ، مع ان المجتمع اليوناني يعرف بتعدد الآلهة مثل زوس إله الحياة وآتينية إله الأثير وهيرا إله الهواء ( 2) كذلك لا يمنع أن يكون لليونان والرومان أنبياء حسب القاعدة القرآنية : " وما كنا معذبين حتى نبعث نبياً ( 3) و (4) لذا عدم تعرض القرآن لليونانيين  والرومان ليس أنهم لا أنبياء لهم بل لعدم معرفة قريش فلسفة اليونان والرومان  ، وعلى الرغم من سيطرة الرومان على بلاد الشام إلا أنها قضية لا تمت بصلة بالواقع الديني لقريش من جهة كذلك لتطور الفلسفة الذي وصله اليونانيون والذي لم يبتلي به أهل مكة ، كذلك غالبية المجتمعات البشرية تتشابه في طبيعتها بعدم انصياعها لأوامر الله سبحانه كذلك لوجود التمايز الطبقي بين شرائح الناس ، كل ذلك وغيره جعل القرآن لا يتعرض لجميع المجتمعات المعاصرة للدعوة الإسلامية وإنما اختار القرآن نماذج بشرية تصلح للعبرة والتدبر ، ولا ننسى دور طبقة " الملأ " والمترفين الذين يساهمون في السقوط الحضاري وبعد وقوفهم أمام الدعوات الإلهية يقول تعالى:" وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً "( 5) .
     يرجع علماء الاجتماع والفلسفة أسباب سقوط الحضارات في الأمم إلى الميوعة والانحلال وتفشي اللامبالاة وعدم الإحساس بثقل المسئولية لدى رجالات المجتمع .

حركة الأنبياء في الكتب الدينية المتداولة :
     يقصد بالكتب الدينية التوراة والأنجيل ، هناك فارق شاسع بين هذه الكتب والقرآن الكريم ، خاصة عند عرض إلى دعوات الأنبياء ، إذ نجد أن القرآن عامل الأنبياء على أنهم سفراء الله سبحانه وتعالى ورسله إلى الناس ، وأنهم أعبد الناس وأشكرهم لربهم إلى جانب عصمتهم وأنهم حملوا لواء مقارعة الظلم ونشر الدعوة الإلهية وتعليم الناس الأخلاق الفاضلة ، بينما التوراة والأنجيل فعلى النقيض من ذلك تماماً إذ نجد ان الأنبياء من أفسد الناس :

1- العدد ( 20 ) من سفر التكوين (9) جاء: وابتدا نوح يكون فلاحاً وغرس كرماً وشرب من الخمر ، فسكر وتعرى داخل خبائه فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه فأخبر أخويه بذلك (6) .

2- العدد(30) من سفر التكوين (19) جاء: وصعد لوط بن صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه فقالت البكر للصغيرة أبونا شاخ هلم نسقي أبانا خمراً فسقياه ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها فزنى بها ، ثم ان ابنته الصغيرة سقته الخمر ونامت إلى جنبه فزنى بها وحملتا منه فولدتا منه ولدين ( 7) .

3- العدد 0 24) من سفر التكوين ( 32) جاء: وبقى يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر فلما لم يقدر عليه ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه وقال اطلقني قد طلع الفجر فقال لا اطلقك إن لم تباركني فقال ما اسمك فقال : يعقوب  فباركه وقال له جاهدت مع الله والناس وقدرت ( 8) .
     لماذا هذا التحريف والتشويه في مقام الأنبياء ؟ الجواب على ذلك أن هناك فئة من رجال الدين يستفيدون من هذا التحريف بل ويباركون له لأنهم يحملون هذه الصفات الذميمة وبالتالي يوهمون الناس أن هذه الصفات طبيعية في البشر حتى في الأنبياء ، كذلك محاولة تحريف في دعوة الأنبياء وحركتهم الرسالية بمعنى أن الأنبياء يباركون الانحراف ولا يتحركون في إزالته ، وأخذت هذه الفئة الضالة أموال الناس بالباطل وجمع الثروات دون صرفها لوجه الله ، إن تركيز وجمع الثروة في فئة دون بقية الفئات من المجتمع أدى إلى ازدياد أعداد المحرومين في المجتمعات ، واستغلت هذه الفئة الضالة في محاربة مبادي الأنبياء وإعاقة دعواتهم باحتكار الأموال وعدم استخدامها في أوجه الخير ، ولعل هذا وذاك من أسباب تحريف اليهودية والنصرانية من خلال جمع الأموال بيد رجال الدين ،مما ظهرت دعوات في القرن الخامس عشر الميلادي في أوربا بمحاربة رجال الكنيسة وتحريفاتهم بحق الأنبياء ، وللأسف لقد نقل بعض علماء المسلمين في كتبهم وصحاحهم بعض هذه التحريفات بحق الأنبياء من كتب اليهود والنصارى وهو ما يعرف ب " الإسرائيليات " المنتشرة بالتراث الإسلامي .

أهداف حركة الأنبياء :
     هناك عدة اهداف صاحبت حركة الأنبياء إلا أننا نحصرها في هدفين مع عرض بقية الأهداف ضمن هذين الهدفين:

الهدف الأول :
     البناء الذاتي وهي عبارة عن  تربية النفس على طاعة رب العالمين ، وخير من قام به الأنبياء ، وليس صحيحاً أن يعيش الإنسان الغفلة والبعد عن خالقه كأي فرد من أفراد المجتمع البشري ثم يبعثه تعالى نبياً إلى الناس وهو يدعو الناس إلى خالقهم وأحكامه وهو بعيد عن هذه الأحكام  ، وهذا منافي للعقل والأعراف ، لذا جميع الأنبياء تربوا على تحمل الصعاب ومحاربة النفس الأمارة وعرفوا ربهم حق المعرفة ، وأصبح أي نبي في زمانه يمتاز بالأمانة والصدق وحسن المعاشرة ، فمثلاً إذا درسنا سيرة نبينا الكريم (ص) نجده يربي نفسه ويتعبد في غار ( حراء ) وعرف بالصدق والأمانة قبل البعثة النبوية وهكذا بقية الأنبياء الذين حكى عنهم تعالى في محكم كتابه ( 9و10 و11 ) تظهر عصمة هؤلاء الأنبياء بعد الجهاد والبناء الذاتي والتوفيق من الله سبحانه لخاصة عباده ، وتبرز هذه العصمة قبل الدعوة من خلال سلوكهم وأن فطرتهم لا تناقض سلوكهم وهذا ما يجعل العقلاء من الناس يتساءل عن سر هذا السير او الحركة لدى النبي قبل بعثته ثم يقارن بين السلوكين سلوك النبي وسلوك بقية الناس فيختار سلوك النبي ويتعاطف مع النبي بعد بعثته بل ويجعله يتألم من الواقع المنحرف الذي يسود عالم الناس ويؤيد على تغيير هذا الواقع .
     هدف البناء الذاتي لا يلقي تعارضاً من قبل الناس والسلطة أو لعدم مجابهة السلطة او العرف الاجتماعي له وتكمن أهمية هذا الهدف أنه مكمل للهدف الثاني وأنه يربي أنصاراً يتعاطفون مع حركة الأنبياء بعد ظهورها ، وقد سمى القرآن هؤلاء الأنصار بشيعة النبي كما حكى تعالى بالنسبة لموسى قبل النبوة :" ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه " فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى "( 12) ، وقد يسمون بالحواريين كما بالنسبة لأنصار عيسى –ع-  أو بالصحابة كما بالنسبة لنبي الإسلام (ص) ، وهؤلاء الأنصار لا يشكلون خطراً على السلطة بل يعيشون مع بقية الناس عيشة عادية طبيعية في المجتمع على الرغم من أنهم يرفضون الواقع المنحرف بسلوكهم وبقلوبهم بل يظهر التعاطف بين النبي وأنصاره قبل النبوة أيضا كما جاء في القرآن :" وجاء رجل من أقصى المدينة  يسعى قال يا موسى إن الملآ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين "( 13) .
     صحيح أن البناء الذاتي يمتاز به الأنبياء قبل النبوة إلا أن هذا لا يمنع من تأثر بعض من أصحاب القلوب والعقول السليمة بالبناء الذاتي أو ما يعرف بالجهاد النفسي وتعاطفهم مع الأنبياء واتخاذهم أسوة لهم وملاذاً من الواقع المنحرف ، وكما قيل المثل يطلب الواحد منهم أنيساً في طريق الوحشة والوحدة .

الهدف الثاني :
     البناء الاجتماعي ويهدف إلى الدعوة إلى الله سبحانه ومحاربة الانحراف والفساد في عالم الناس من خلال الوقوف أمام الظالمين والمستكبرين ، هناك صعوبات تواجه الأنبياء أثناء تطبيق هذا الهدف فمثلاً طبقة الملآ التي ترى في حركة الأنبياء منافساً بل ومعارضاً لمصالحها لأن هذه الحركة تدعو إلى تنازلات كما تظن هذه الطبقة في المال والثراء والمكانة الاجتماعية إلى جانب ما تمتاز بها هذه الطبقة بالعقلية  الضيقة التي تسير على أهوائها وتنظر نظرة ذاتية إلى مستقبلها وتحكمها العادات والتقاليد وأمجاد الأجداد والآباء وعبادتهم ، وحكى تعالى :"  وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله تعالى قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان أباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون ( 14) وأيضا : " قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون "( 15) تسخر طبقة الملأ المال والشعر والرجال والسلاح في سبيل الصد عن الدعوة ، فبالمال يشترون السلاح والرجال وضمائر رجال الكهنة الذين لهم مكانة في قلوب الناس ، فهؤلاء الكهنة عندما يقفون ضد الدعوة تجد الناس تتبعهم ، ومنهم من يصدر أحكاماً جائرة ضد الأنبياء سواء بالنفي أو بالمقاطعة  أو القتل أو السجن  ، وبالمال يجعلون شراذمة القوم ينغصون راحة الأنبياء ويلقون في طريقهم الشوك وغيرها بل ويسبونهم أمام القريب والغريب .
     وبالشعر والخطابة يحارب الظالمون الأنبياء ويكونان وسيلة ودعاية مغرضة تلقي الاستجابة من الناس التي تميل مع كل ريح ، فتقف شرائح الناس ومن في حكمهم من الرعاع ضد الأنبياء بعد تأثرهم بهذه الدعاية  ، وبالسلاح يقتل هؤلاء الكفار الأنبياء وأتباعهم ، وتفرد بنو إسرائيل بقتل أنبيائهم ، وقد يكون القتل مباشراً بالسلاح وقد يكون بقتل مبادئهم وإخفاء الحق ، إلى جانب ذلك يقف المؤمنون بالأنبياء إلى جانبهم وينتقلون من مكان إلى آخر ويدعون لهم ، وقد ذهب مصعب بن عمير  إلى يثرب وأسلم على يديه جماعة من أهلها قبل هجرة النبي (ص) ، كذلك ذهب لوط قبل بعثته إلى (سدوم ) وأخذ يدعو إلى شريعة إبراهيم – ع-(16) وأرسل عيسى –ع- رسله إلى أنطاكية وغيرها من المدن بالشام  ، كذلك تواجد يوسف –ع-  في مصر خاصة  عندما سجن استغل ذلك  بالدعوة إلى دين آبائه إبراهيم واسحاق ويعقوب –ع- (17)  وهذا مؤمن آل فرعون وقف مع موسى –ع- قبل النبوة وبعدها ولم يهاب بطش فرعون وجنوده كذلك عندما طلب موسى –ع- من الله تعالى أن يجعل أخاه هارون وزيراً له يسانده بحمل مسئولية الرسالة ، فأنه كان يعرف أن هارون وقف معه في رفع الظلم على بني إسرائيل ، وفي مكة ظهرت فئة من الحنفاء تركوا عبادة الأصنام وقد ساروا على ملة إبراهيم –ع- قبل بعثة نبينا محمد (ص) (19) .

حوادث الماضي :
     إن ذكر الماضي وحوادثه من الأمور الهامة التي يطرحها الأنبياء أثناء حركتهم إلى الدعوة الإلهية ، إذ قلما تجد نبياً يمر ذكره بالقرآن لا يتعرض بدوره إلى الحوادث التاريخية قبله ليتخذ منها مادة عظة وإرشاد خاصة الأقوام البائدة التي وقفت أمام الدعوة الإلهية وكان مصير الهلاك والتدمير .
     إن التذكير بحوادث الماضي يوضح طريق الإيمان ويرسخه في النفوس ويحث على الأمل ، وقد حاولت طبقة الملأ تشويه الحقائق وطمس النور الإلهي وتشويه شخصيات الأنبياء واتهامهم بتهم: السحر والجنون والكهانة وطلبة الجاه والشهرة كي لا يقف الناس مع دعوة الأنبياء ويتعاطفون معها وهذا التشويه أو الدعاية يتأثر بها عامة الناس نتيجة الجهل وخوفها من بطش السلطة ، ولكن مع ذلك  يلاحظ أن ذكر حوادث الماضي ترسخ دعوة الأنبياء في المجتمعات يقول هود –ع- :" واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة  (20) يفهم من كلام هود –ع- أن قومه أصحاب حضارة وقوة كبيرة مثل قوم نوح –ع ولعلهم ورثوا هذه الحضارة من قوم نوح –ع-  ، وأن  القوة المادية لا تصمد وتمنع نزول العقاب الإلهي ، وهذا صالح –ع- يذكر قومه بحوادث الماضي كي يتعظوا : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً "(21)  ويوضح صالح –ع- أن الانجازات المادية  الهائلة التي قاموا بها لا تصمد أمام الغضب الإلهي في حال كفرهم بآيات الله عز وجل ، وهذا شعيب –ع- قال لقومه :" ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد ( 22) .
     القرآن يتعرض إلى ذكر الأمم السابقة ومصيرها لتذكير قريش بحوادث التاريخ والاستفادة منها لذا قال تعالى:" ولقد أهلكنا القرون  من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين (23)  ويقول تعالى أيضا:" وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ( 24) .
     إن ذكر حوادث الماضي ينقسم إلى قسمين كما مر في الايات السابقة ، مرة تعرف عن طريق تواتر الأخبار من جيل إلى جيل كما بالنسبة لقريش التي كانت تعرف تاريخ الأمم السابقة مثل عاد وثمود ، ومرة من خلال ما بقي من الآثار والأطلال التي يشاهدها المعاصرين للقرآن خلال الأسفار ونزولهم في هذه الأماكن طلباً للراحة والأمان في الصحاري المقفرة ، ولكن لا يتعظ بهذه الحوادث التاريخية إلا قليل من الناس الذين  انخرط بعضهم بسلك دعوة الأنبياء .

حركة الأنبياء أثناء الدعوة :
     تبدأ الدعوة الإلهية بعد تلقي النبي أو الرسول –ع- الوحي بواسطة الملائكة أو بدون الواسطة ، وتكون الدعوة في بدايتها خاصة وقد تتصف بالسرية والكتمان ولكن ذلك غير عام في كل الدعوات ، وبدأت الدعوة الإسلامية على يد رسول الله (ص) بدعوة زوجته وابن عمه علي ومولاه زيد ثم بقية الناس من الصحابة الأوائل (رض) ثم انتقل إلى دعوة عشيرته :" وأنذر عشيرتك الأقربين "( الشعراء/214) ثم دعوة المجتمع القرشي خاصة ثم  بقية القبائل والناس عامة  وبالتالي كون رسول الله (ص) قاعدة شعبية خاصة بعد مرور ثلاث سنين من الدعوة .
     بدأت دعوة موسى-ع- بالتصدي لفرعون قبل بناء القاعدة الشعبية  والسبب أن هذه القاعدة المتمثلة ببني إسرائيل كانوا على ملة إبراهيم –ع- وهو التوحيد كذلك كان بنو إسرائيل مقهورين من قبل فرعون وجنوده ، وجاء موسى ليخلصهم من استعباد فرعون ، وتأخذ حركة الأنبياء خلال الدعوة قوة وضعفاً حسب استجابة الناس لهذه الدعوة ، والأنبياء لا يفترون بل ديدنهم الاستمرار والإخلاص في العمل الرسالي والانتقال من مرحلة إلى أخرى حسب الظرف والمكان ، لذا قد تستمر الدعوة فترة طويلة من عمر البشرية كما في دعوة نوح –ع- حتى قيل أن قلة قليلة آمنت بدعوته ولم ييأس من ذلك وهو يدعو  إلى أن جاء الطوفان وانتصر الحق على الباطل وقد يغير النبي مكانه ليدعو الناس حسب المصلحة لأن الدعوة لا تعرف الحدود والفواصل الطبيعية والبشرية لأنها صادرة من رب العباد وهذا سر من أسرار نجاح الدعوة وانتشارها واستمرارها .

العوامل المساعدة في انتشار الدعوة :
     توجد عوامل عديدة تساعد النبي أثناء حركته للدعوة منها العوامل الشخصية المتمثلة في الصفات الشخصية مثل الصدق والأمانة والشجاعة والعلم والعصمة والتقوى والتواضع ، وهذه الصفات دليل على صدق دعوة الأنبياء لأن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقول المثل ، ثم أن هذه الصفات يحبها الناس ويحبون من يتصف بها وانتشارها في المجتمع البشري يساعد على تحقيق أهداف الدعوة الإلهية وهذه الصفات لا تشكل خطراً على مصالح  المتصدين لقيادة المجتمع ، وأيضا هناك المباديء الإنسانية التي تعترف بحق الإنسان في العيش الكريم واحترام عقيدته وحريته ورفع الظلم والمساواة وتحقيق العدالة والتكافل الاجتماعي بين الناس ، وإيجاد حياة سعيدة وآمنة للطبقات البشرية المختلفة ، لهذا استقطبت دعوة الأنبياء الطبقات المحرومة التي تأمل رفع الظلم عنها وتحسين وضعها الاجتماعي ، من هذا السبب يلبي الفقراء والمحرومين دعوة النبي لهذا اتهم الأنبياء أن اتباعهم فقراء وأرقاء ، يقول تعالى:" وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ( 25) كذلك قال عز من قائل :" قالوا أنؤمن لك واتبعك الآرذلون "(26) .
     ومن العوامل المساعدة أسلوب الدعوة فلو لا هذا الأسلوب لما لقيت الدعوة والحركة النبوية آذاناً صاغية ، ونقصد بأسلوب الدعوة استخدام أسلوب اللين الذي ينفذ إلى القلوب والجوارح ، فعندما بعث موسى –ع- بعثه تعالى إلى فرعون وقال تعالى :" فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى (27) أسلوب اللين يؤثر في النفوس البشرية التي لا تريد أن يظهر عيوبها او تعترف النفوس بها وبالتالي أسلوب اللين يفتح مجال الحوار  لطرح مباديء السماء ، كذلك لما كسر إبراهيم –ع- الأصنام استخدم أسلوب الفكر والتعقل كي ينبه الناس على أن الأصنام لا تنفع ولا تضر ، كاد الناس يسلموا على يديه لو لا الكهنة وأرباب المعبد الذين يأتون بعد الملك في المركز والمقام وعرفوا  أنهم يخسرون مقامهم إن عبد الناس إله إبراهيم –ع- (28) واستطاع نبي الإسلام (ص) بأسلوب اللين والموعظة الحسنة أن يؤثر على صرحاء القبيلة ( الأحرار ) و على الموالي والعبيد على الرغم من الدعاية المضادة التي شنها زعماء قريش ضده ، وكما مر سابقاً ، استطاع الصحابي مصعب بن عمير (رض) أن يؤثر بأسلوبه على جماعة من أهل يثرب لما أرسله رسول الله (ص) داعية إليهم ، كذلك معاملة النبي (ص) لأهل مكة بعد فتحها جعل الناس  والقبائل يقبلون على دين الإسلام بعد أن فشلت محاولات قريش الوقوف طويلاً أمام الدعوة .
     المعجزة أو الآية كما في مفهوم القرآن عامل مساعد لجذب الناس إلى الدعوة وقد يكون الاتيان بالمعجزة عاماً لا يخلو منه نبي أو رسول –ع- ، وتختلف معاجز الأنبياء فمعجزة نوح –ع- هي الفلك أو السفينة التي أنقذت نوحاً وأتباعه من الغرق ومعجزة إبراهيم –ع- عدم إحراقه بالنار ، وتوجد معاجز كثيرة جرت على يد موسى –ع- مثل العصا والقمل والضفادع وإحياء البقرة و.. ومعاجز عيسى –ع- إحياء الموتى وشفاء الأبكم والأبرص ومعجزة نبي الإسلام ( ص) القرآن الكريم .
     المعجزة تكشف زيف من يقف أمام الدعوة الإلهية وتضعف موقفه إذا استمر في تحديه لهذه الدعوة  ، فقد آمن السحرة بعدما رأوا معجزة تحويل العصا ثعباناً ، هذا وقد تحدى تعالى فصحاء العرب أن يأتوا بآية او سورة مثل هذا آيات وسور القرآن  فآمن بعض عقلائهم ، وهناك شواهد كثيرة لأناس أصحاب علم ونظرية في الغرب والشرق آمنوا بدين الله ( الإسلام ) لما رأوا براهين علمية تطرق لها القرآن بعد مئات السنين .

موقف الناس من حركة الأنبياء :
     يختلف الناس في موقفهم من حركة الأنبياء من مؤيد او معارض أو محايد ، وهذا الاختلاف ليس منشأه نقص او تناقض بما في دين الله سبحانه ، وإنما لآختلاف أهواء الناس ونفسياتهم وقد يظهر الإنسان معارضته للدعوة بشكل سافر مثل أصحاب القوة والنفوذ في المجتمعات البشرية ومنهم لا تتوضح له الرؤية في بداية الأمر وقد يكون لا مبالياً إلى حين أن يتخذ موقفاً ، وهناك من يتخذ قراره بعد فترة وجيزة ، وهناك من يتردد لفترة طويلة لا تؤثر فيه الأجواء الخارجية بشكل مباشر ، هذه الفئة الأخيرة تشكل عدداً كبيراً من الناس وموقفها هام بالنسبة للدعوة سلباً وإيجاباً .

ينقسم الناس حسب موقفهم من الدعوة :
     فئة مؤمنة خالصة وتكون له علاقة مع النبي علاقة نسب أو صداقة وتستمر العلاقة أثناء الدعوة ، هذه الفئة تؤازر الأنبياء في خضم الجو المضطرب المصاحب للدعوة وأنها دخلت الدين بقناعة وهي لا تتعامل مع الأهواء والمصالح الشخصية .

فئة المستضعفين :
     وهي التي تدخل في حركة الأنبياء لظروف خاصة طلباً  للخلاص من آلام الرق والعبودية أو لآلام الفقر والبؤس والتشرد ، هذه الفئة تزيد من قوة الدعوة تأييداً كما نلاحظ في دعوة موسى-ع- فقد دخل معظم بني إسرائيل في الدين طلبا للخلاص من بطش فرعون ، كذلك الحال بالنسبة للمستضعفين والعبيد بمكة الذين دخلوا الإسلام واستشهد بعضهم تحت التعذيب مثل ياسر وزوجته أبوي عمار بن ياسر (رض) ، ولا تختلف هذه الفئة مع فئة المؤمنين من حيث درجة الإيمان والوعي إلا ان قلة منها تمتاز بهذه الخصال وقد تكون الظروف الصعبة وراء هذا الاختلاف بين الفئتين وتتحرر هذه الفئة من الرق والاستضعاف بعد قيام دولة الحق وإزالة مظاهر الجاهلية ، وبعضها يتحول إلى فئة المعارضة لدولة الحق بعد أن ترى مصالحها تتعارض مع أهداف الدولة وأيضا نتيجة لعدم قيام الدولة بعناصرها الثلاثة حسب الظروف التي تمر بها الدعوة وقد تكون هذه الظروف عصبية تتشعب بل وترى أن معايشتها تحت ظل حكم الطاغوت وبطشه أفضل من انضوائها تحت قيادة النبي كما حدث لبني إسرائيل عندما انقذهم تعالى من بطش فرعون وجنوده إلا أنهم أخذوا يعصون الله ونبيهم بل وارتدوا وعبدوا العجل .

فئة المعارضة :
     وهي على أقسام من حيث درجة المعارضة التي تبديها اتجاه حركة الأنبياء ، هناك فئة ترى أن الأنبياء يهددون مصالحهم السياسية والاجتماعية وهي فئة " الملأ" كما يسميها القرآن وهي تملك وسائل القوة من مال وعدة ورجال وهذه الوسائل تمنعها من سماع الحق ، وقد ينزل تعالى عليها العذاب .
     وتوجد فئة أصحاب الديانات السابقة وبقايا اتباع الأنبياء السابقين وسدنة المعابد أو رجال الدين كما هو الحال في اليهودية والنصرانية ، أكثر هؤلاء يكفرون بما أتى بها  النبي المعاصر لهم ، ولعل إيمانهم بالدين الجديد ينسف مصالحهم ومكانتهم الدينية ، لذا يصرون على محاربة النبي ويتعاونون مع فئة المعارضة للدعوة وقد يعطون الشرعية لرجال المجتمع السياسيين وغيرهم كي لا يتعاطف الناس مع الأنبياء و يصدرون أحكاماً مثل القتل بحق الأنبياء كما حصل بالنسبة لعلماء بني إسرائيل الذين ساهموا بقتل أنبيائهم .
     هناك قسم من المعارضة كانوا في بداية أمرهم مع الدعوة إلا أن طول فترة الابتلاء والتمحيص تجعلهم يرتدون عن الدين ويقفون في صفوف المعارضة ، إن ارتداد هؤلاء الانتهازيين يفتح المجال أمام طبقة " الملأ" نشر الدعاية المغرضة والقول ببطلان دعوى الأنبياء ، وهذا الارتداد يجعل بعض العناصر الجديدة التي تفكر بأمر الدعوة لا تدخل الدين أو من اللامبالين ، وكلما زاد عدد المرتدين عن الدين كلما بعدوا أكثر هؤلاء عن دعوة الأنبياء ، ويتحول هؤلاء اللامباليون  إلى صفوف المعارضة ضد دعوة الأنبياء وبعد أن يروا من خلال المعارضة منافع لهم منها تقريبهم من طبقة " الملأ" وأصحاب النفوذ في المجتمع .

دولة الأنبياء :
     إن حركة الأنبياء لا تقف عند مرحلة معينة بل تواصل سيرها على الهدي الإلهي حتى النصر وإقامة الدولة ، الدولة أو المجتمع البشري يسوده النظام والقانون الإلهي ويحاول أن يستقطب كل العناصر خارج هذا التجمع وذلك لإدخالها في دين الله عز وجل ، ومن مقومات الدولة : الأرض والشعب والقيادة وكلها تتوافر عندما يقيم الأنبياء دولاً .
     إذا نظرنا إلى آيات القرآن لرأينا بعض الدول الرسالية التي أقامها الأنبياء مثل داود وسليمان –ع- ونبينا محمد (ص) ودولة ذي القرنين (29) أما بقية حركات الأنبياء ونجاحها   ضد الظلم والفساد فلم يتحدث القرآن عن دولهم ولكن نجزم بوجود تجمع بشري يقوده النبي –ع- بعد أن أنقذه تعالى من الظالمين مثل النبي نوح-ع- أنقذه وأتباعه من الغرق أقام هذا النبي تجمعاً بشرياً بعد أن جفت الأرض من الطوفان  ، كذلك الحال بالنسبة لهود وصالح وشعيب –ع- فقد عاشوا فترة مع اتباعهم بعد أن انتقلوا إلى مكان آخر ، ولكن لم يتعرض القرآن إلى ذكر صراعهم مع بقية الناس عندما يدخلون أرضاً يعيش فيها هؤلاء الناس ولعل هذا الصراع لم يكن مهما أو يمثل خطراً على دعوة الأنبياء ، وقد لا تكون دولة لهؤلاء الأنبياء بالمعنى المتعارف إلا أننا قد نطلق عليها تجمعاً بشرياً تعيش في بقعة من الأرض تتوافر فيها سبل الحياة ، وقد لا تدوم مقومات هذا التجمع بعد رحيل الأنبياء وأتباعهم الأوائل ، وبعد ظهور جيل لا يشعر بأهمية الدين ، لذا تشهد دويلات الأنبياء سقوطاً داخلياً بعد انتشار الميوعة والفساد في الأجيال اللاحقة .
     تمر دويلات الأنبياء بمراحل : المرحلة الفكرية وغالباً تكون هذه المرحلة سرية في بداية الدعوة كما مر ذلك ، حيث أعد النبي (ص) أتباعه فكرياً في بداية الدعوة في دار الأرقم بن الأرقم (30) وهكذا بالنسبة لبقية الأنبياء أعدوا القاعدة البشرية  الفكرية قبل التحرك ضد الانحراف والفساد والظلم ، وقد تكون غالبية هذه الطبقة من المستضعفين  والفقراء كي يهضموا احكام الدين ويعرفوا فلسفة الحياة والكون والإنسان وفي هذه المرحلة تتقوى النفوس على تحمل المشاق والصعوبات أيام الدعوة وبعد قيام الدولة لذا اتباع الأنبياء يحافظون على فكر الدول أو تعاليم السماء من الانحراف .
     المرحلة السياسية وهي مكملة للمرحلة الفكرية ويبدأ المؤمنون تحركهم في اتجاهين ، اتجاه المحافظة على حرارة الدعوة من الانطفاء واتجاه المحافظة على الثلة المؤمنة في المجتمع الذي لا يعترف بدين السماء قبل قيام دولة الحق ، وقد يتدخل الإمداد الإلهي إما عن طريق المعاجز التي يظهرها الله سبحانه على أيدي أنبيائه أو عن طريق الثبات والصبر ضد كيد ،أعداء الدين بعد أن يلهم تعالى أنبياءه وأتباعهم بذلك لأن طريق الدعوة غير سهل هو طريق ذات الشوكة ، و يلقى المؤمنون أصناف من العذاب النفسي والجسدي والاجتماعي على يد الكفار ، وما أن ينفصل الأنبياء وأتباعهم عن دولة الباطل إن صح التعبير سواء بهلاك واستئصال الظالمين أو بالهجرة أو الفرار بدينهم ، فان الأنبياء يختارون الأرض الملائمة للعيش عليها وبالتالي تتوفر مقومات الدولة لهم ، ومن خلال استعراض الآيات القرآنية التي تتعرض إلى الأنبياء وأتباعهم بعد هلاك الكفار نجد أن هناك تجمعات بشرية تقودها الأنبياء في بعض المناطق وتكون على شكل قرية وتتوسع إلى قرى نتيجة لتكاثر الناس أو تهاجر الجموع البشرية بعد أنبيائها إلى مناطق أكثر اماناً وأكثر توفرا لسبل الحياة ، وقد تنصهر هذه الجموع البشرية في عالم الكفر والنفاق .
     المرحلة العسكرية وهي مرحلة تأتي غالباً بعد المرحلة السياسية وقيام دولة الحق ، حيث أن الدفاع عن الدولة من واجبات الأنبياء للمحافظة على كياناتهم من الأخطار الخارجية خاصة إذا وجدت دول قوية بقرب دولة الحق ، لكن نلاحظ أن بعض اتباع الأنبياء كبني إسرائيل رفضوا محاربة اعدائهم بعد أن طلب منهم ربهم تعالى ونبيه موسى –ع- إخراج الأعداء من بيت المقدس ،  ويلاحظ أن موسى وهارون لم يقيما دولة بالمفهوم المتعارف وإنما كونا تجمعاً بشرياً كنواة لدولة الحق  لان المرحلة العسكرية لم تتحقق في عصرهما نتيجة تقاعس بني إسرائيل في محاربة عمالقة فلسطين .
     وأفضل نموذج لدولة الحق مع توفر مقوماتها هو نموذج دولة نبينا محمد (ص) الذي اعتمد على المرحلة العسكرية في الدفاع عن الدولة بل وتوسعتها من أجل نشر الإسلام في ربوع الجزيرة العربية وخارجها ، وقد لا يكون الحسم العسكري دائماً لصالح المؤمنين كي لا يغتروا بقوتهم  وإنما يعتمدوا على ربهم ، لهذا انهزم المسلمون في أحد وفي حنين وهذه من السنن الكونية التي يجهلها أصحاب الديانات كذلك هناك سنة التغيير الداخلي قبل سنة التغيير الخارجي بمعنى أن الإصلاح يتم داخلياً من خلال تربية النفس وإطاعة الله ورسوله –ع- ( 31) وسنة الإعداد  العسكري لمواجهة جند الباطل والطاغوت " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ..." ( 32) وسنة تكافؤ العدد والعدة يقول تعالى :" الان خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا" ( 33) وسنة تداول وتعاقب الأمم على سيادة  وقيادة الأرض يقول تعالى:" إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس ( 34) وسنة الأجل أي أن الفرد له أجل كذلك الأمة لها أجل يقول تعالى :" ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى اجل مسمى فإذا جاء أجلهم فأن الله بعباده بصيراً "( 35) ، وهذا الأجل يولد الأمل في نفوس المؤمنين المستضعفين الذين يرون بعد سقوط الخلافة الإسلامية أن الإسلام لا يعود قوة بل أن الإسلام سيرث الأرض من جديد .


الخاتمة:
     حركة الأنبياء حركة طبيعية في المجتمع وتهدف إلى الإصلاح وتحسين الأوضاع الاجتماعية وبيان هدفية خلق الإنسان وعلاقته بربه ، هناك تشابه واختلاف في حركة الأنبياء وحركات الإصلاح الاجتماعي التي ظهرت على الساحة البشرية .
    من اوجه الشبه وحدة الدعوة الإصلاحية بين النبي والمصلح في المجتمعات ، ولكن أوجه الاختلاف تتمثل أن النبي يكون مدعوماً من السماء بينما المصلح لا يكون نبياً ، وتكون حركة النبي –ع- شمولية أي تخاطب المجتمع ككل بل وبقية الأجناس البشرية خاصة إذا كان دين النبي –ع- عالمياً مثل الدين الإسلامي لا يعرف الفواصل الجغرافية .


الهوامش:
1-   مكة والمدينة في الجاهلية وعصر الرسول ، أحمد الشريف القاهرة ط2 ص149 .
2-   الدين ، محمد عبدالله دراز الكويت ط2 1970 .
3-   سورة الإسراء آية 15.
4-   سورة النساء آية 165 .
5-   سورة الإسراء آية 16.
6-   نظرات في التوراة والأنجيل ، القزويني ، ط الكويت ص 30 .
7-   نفس المصدر السابق ص33 .
8-   نفس المصدر السابق ص34 .
9-   سورة مريم آية 41 .
10-                      سورة مريم آية 54 .
11-                      سورة الصافات آية132 .
12-                      سورة القصص آية 15 .
13-                      سورة القصص آية 20 .
14-                      سورة البقرة آية 170 .
15-                       سورة الشعراء آية 74 .
16-                      مع الأنبياء في القرآن ، عفيف طبارة ط بيروت ص142 .
17-                      سورة يوسف آية 28 و29 .
18-                      سورة القصص آية 20 .
19-                      مكة والمدينة في الجاهلية وعصر الرسول ، أحمد الشريف ، ص247 .
20-                      سورة الأعراف آية 69 .
21-                      سورة الأعراف آية 74 .
22-                      سورة هود 89 .
23-                      سورة يونس آية 13 .
24-                      سورة إبراهيم آية  45 .
25-                      سورة هود آية 27 .
26-                      سورة الشعراء آية 111 .
27-                      سورة طه آية 44 .
28-                      سورة الأنبياء آيات :  62-66 .
29-                      اختلف المفسرون في نبوته وهناك من اعتبره عبداً صالحاً .
30-                      سيرة ابن هشام ج1 ، ص 249 .
31-                      سورة الأنفال آية 53 .
32-                      سورة الأنفال آية 60 .
33-                      سورة الأنفال آية 66 .
34-                      سورة آل عمران آية 140 .
35-                      سورة فاطر آية 45 .
36-                      سورة الإسراء آية 16 .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق