الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013

عزل الإنسان عن محيطه أو ( الانعزال والعزلة )




عزل الإنسان عن محيطه أو ( الانعزال والعزلة )
بقلم / عباس سبتي

     تناولت الصحافة المحلية والعالمية قبل عدة شهور عملية انقاذ عمال المناجم في تشيلي ، وقد تابع الناس هذه القضية الإنسانية متعاطفين مع العمال ، وقد شعر العمال وهم يصارعون الموت في كل لحظة وهذا الموت يشكل تحدياً كبيراً لا بد منه بل ولعل هذه العزلة أو الموت البطيء جعل العالم يتعاطفون مع هؤلاء العمال إلا أن الأدهى من ذلك أو التناقض العجيب أن صناع الحروب يطحنون أفراد البشرية والناس ساكتون ، هذا  وقابلت بعض أجهزة الأعلام مختصين في علم النفس وعلم الاجتماع لمعرفة آثار عزلة العمال عن العالم بعد إنقاذهم خاصة ممن إصابتهم ببعض الأمراض النفسية كالاكتئاب والتوتر والقلق ، وهذا يدل على أن الإنسان المعاصر المسلم وغيره لا يستطيع أن يعيش بعزلة عن بقية أفراد بني جنسه ،   ولعل هناك أنواعاً من العزلة لمن يريد أن يربي نفسه أو يجاهدها وهو مفيد في هذا العالم المتناقض .

     قرأت مقالاً قبل فترة عن الخلوة اليومية وهي عبارة عن الخلوة مع النفس بعيداً عن التشتت والبحث عن أغوار النفس وإذا كان الإنسان يحتاج إلى ترتيب أثاثه ومكتبه فهو بحاجة إلى ترتيب الذات من خلال الخلوة الواعية مع النفس مثل الاسترخاء وعدم استقبال أي مدركات ومؤثرات خارجية .

     ونقل عن عيسى بن مريم أنه قال اخزن لسانك لعمارة قلبك وفر من الرياء وابك على خطيئتك وفر  من الناس فرارك من الأسد فأنهم دواء فصاروا اليوم داء ثم الق إلهك متى شئت .

     لقد عرفت البشرية منذ فجر التاريخ أناساً عرفوا ب " العباد " اعتزلوا الحياة العامة ولعل بعضهم كان مخطئاً في سلوكه لكن الانحرافات الخلقية عند الناس وراء عزلتهم من الناس بعد أن لم تؤثر مواعظهم في الناس .

     وقد قيل أن الإنسان المعتزل منطوي على نفسه يعاني من الوحدة فهو مريض نفسياً ، لكن المعتزل ليس منطوياً على نفسه لأن الذي يعاني من مرض نفسي ليس بمعتزل بل يفر من المجتمع لانهزامه نفسياً ولا يمتلك الجرأة الكافية ليتعايش مع أفراد المجتمع ، من خصائص الانطوائي غربته مع نفسه وهو مصاب بنوع من الانعدام في الإحساس والشعور فهو يجهل نفسه واحتياجه الشديد لوضع فاصل بينه وبين الآخرين ولا يريد أحداً يكشف سر عزلته .


     الاعتزال يحمي الإنسان من أن يتلوث بجو ذنوب العصاة كما شعر أهل الكهف أن جو المدينة التي عاشوا بها ملوث بالشرك وهذا الجو يفرض بطريقة وأخرى على الناس الانصياع لواقع الشرك ورموزه فأحس أصحاب الكهف أنه لا بد من العزلة والابتعاد عن هذا الجو ولكي يحافظوا على عقيدتهم ( التوحيد ) وقال القرطبي عنهم : الفرار بالدين وهجرة الأهل والبنين والأصدقاء والأوطان خوف الفتنة كما فر النبي (ص) بدينه وكذا أصحابه ( تفسير القرطبي 6/397) .                                                                             

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق