الاثنين، 30 مارس 2015

صراع الحق والباطل




صراع الحق والباطل
بقلم الباحث التربوي / عباس سبتي
1993م

المقدمة
     مقدمة يتعرض هذا البحث إلى قضيتين : الاختلاف في الحق والصراع بين الحق والباطل ، صحيح بعض الكتاب من لا يفرق بين القضيتين إلا أن علاج كل قضية على حدة تجعل الكاتب والمفكر يحدد أبعاد كل قضية على حدة لذا نحاول في هذا البحث أن نفرق بين القضيتين ولو أنا سنتناول كل القضيتين معا في ختام البحث .

الاختلاف في الحق

مقدمة
     قد يتبادر إلى الذهن أن الحق واضح ولا اختلاف فيه إلا أن قياسنا يكون على الأطراف المتنازعة أي أن الموضوع ليس من هو على الحق ومن هو على الباطل ، بل كيف أن كل الأطراف تدعى أنها على الحق كما سوف نرى ، وبالتالي نصل إلى نتيجة مفادها أن هناك اختلافاً يحصل في طرح المفهوم إلى درجة أن أصحاب الملة الواحدة يتصارعون وينقسمون إلى أحزاب { كل حزب بما لديهم فرحون } ( المؤمنون / 53) نتيجة تقطعهم وتمزقهم في مفهوم الحق والباطل
يرجع الاختلاف بين الناس في مفهوم الحق منذ القدم ، يقول تعالى : { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه } ( البقرة/ 213 ) .

     قال بعضهم إن هذا يرجع قبل زمن نوح –ع- وان الناس قد اختلفوا في شئون الحياة وهي سنة جارية ولكن الاختلاف في الرأي يرجع بعد نزول الكتاب أو بعد بعثة الأنبياء ، وأن نوحاً –ع- يعد صاحب أول شريعة ، يقول تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذين أوحينا إليك } ( الشورى/ 12) ، فهل الناس اختلفوا في فهم الكتاب ( الشريعة ) حتى في عصر صاحب الشريعة ( نوح) ؟

     يفهم من القرآن أو من الآية (213) من سورة البقرة أن الاختلاف في الدين بدأ في عهد نوح –ع .

اختلاف الفرق والنحل من أصحاب الديانات السموية
     يقول تعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولو لا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وأنهم لفي شك منه مريب وأن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم انه بما يعملون خبير } ( هود/110 - 111) .

     يقول صاحب الميزان : إن اختلاف من عاصر نزول القرآن بنبي الإسلام كاختلاف أمة موسى فيما أتاه الله من الكتاب وأن الله سيقضي فيما اختلفوا فيه ( الميزان ج11 ص24 )

     اختلف بنو إسرائيل بعد موسى-ع- إلى فرق وطوائف ، كل فرقة تدعي أنها تسير على خط موسى_ع- هناك فرقة تدعى ( الفريسيين ) والكلمة تعني المنفصلين عن الشعب وتهدف هذه الفرقة المحافظة على الشريعة الموسوية والتمسك بتعاليمها وتؤمن بالبعث والحساب وتعتقد أيضا ان هناك إلى جانب التوراة روايات شفوية وشروح الوصايا والتفاسير وتسمى ( التلمود ) وقد افترقت هذه الفرقة بدورها إلى سبعة أقسام (وفرقة أخرى تسمى الصدوقيين نسبة إلى زعيمهم صدوق الكاهن الذي عاش في القرن الثالث الميلادي ، هذه الفرقة تنكر البعث والجزاء الأخروي ، كذلك تنكر التلمود وتعتقد أن التوراة غير مقدسة ، وفرقة ثالثة تسمى القرائين وكان أنصارها في البداية قليلين وتعترف بالتوراة فقط ولا تؤمن بتعاليم الحاخامات هذا وأسست في القرن الثامن الميلادي وزعيمها داود عنان ، وفرقة رابعة وتسمى بالكتبة أي الذين يكتبون الشريعة وكانوا يتقربون إلى الحكام والولاة وقاموا بدور الوعظ والتدريس ( بنوإسرائيل في القرآن والسنة ، ج1 ، ص97) .

     إن الفرق السابقة قد اختلفت في مفهوم الحق وادعت كل واحدة منها أنها صاحبة الحق إلا أن القرآن يقول أن بني إسرائيل بطوائفها المختلفة قد انحرفت عن جادة الحق كما صرحت الآيات : 195و168و181 من سورة الأعراف .

     اختلفت امة عيسى –ع- وتفرقت إلى فرق وأحزاب أيضا وتعرض القرآن إلى اختلاف أمة عيسى –ع- مثل : { وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم } ( مريم/ 36و37 ) .

     إن اختلاف الفرق النصرانية يرجع إلى الاختلاف بطبيعة خلق عيسى –ع- والاختلاف في صلبه وقتله ، وقد انشغل النصارى بقضية خلق عيسى –ع- وطبيعته وهم في اشد الحاجة إلى نشر دين الله  لذا واستمر الاختلاف بعد عيسى –ع- ( محاضرات في النصرانية ص 164 ) .

     أمة الإسلام ليست بدعاً من الأمم لم يصبها ما أصاب الأمم السابقة ، فقد اختلف المسلمون مثلما اختلف غيرهم من الأمم السابقة ، فالروايات من جهة والحوادث التاريخية من جهة أخرى تشهدان على ذلك ، يقول تعالى : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } ( آل عمران /105) .

     عن نبي الإسلام (ص) : يأتي على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله ، إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا ملة واحدة ( السنة لابن أبي عاصم )

     ظهور حركات التنبؤ ( الردة ) كظاهرة للخروج على خليفة المسلمين مثل حركة الأسود العنسي في اليمن وحركة مسيلمة بن حبيب في اليمامة وحركة طليحة بن خويلد وحركة سجاح بنت الحارث ( دور الحجاز في الحياة السياسية العامة ص141) .

     ظهور المنافقين ككتلة بشرية شكلت خطراً على المجتمع المسلم كان لهم دور في ضعف الصف الإسلامي في غزوة أحد وترأس حركة النفاق بالمدينة عبدالله بن سلول ، وبعضهم بنى مسجد ( الضرار ) للتفرقة بين المسلمين ، وبعد رحيل نبي الإسلام وكانوا وراء الحروب التي اندلعت في عصر الخلافة الراشدة .

     وظهور حركة الاحتجاج ضد الخليفة الثالث طالبة الإصلاح حتى قتل الخليفة ومبايعة الخليفة الرابع وانشغال المسلمين بالحروب فيما بينهم .

     وأخيراً المذاهب الفقهية تشكل نوعاً من الاختلاف بين المسلمين خاصة عندما اندلعت الصراعات بين أصحابها إلى درجة القتل راجع كتب التاريخ .

أسباب الاختلاف في الحق

بعثة الأنبياء
     { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم اللينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } (البقرة/213) .

     الاختلاف شيء فطر عليه الناس فقد يختلفون في أمور المعاش أو في أمور الدين ، عندما جاء الأنبياء لرفع الاختلاف بين الناس في قضايا الحياة اخذوا يحذرون من مفاسد الشقاق والفرقة ، وان هذا الاختلاف لا يمنع من التعاون والمحبة بين الناس ، وحذروهم بنشوب الحروب بينهم واستعباد بعضهم بعض ورسوخ الطبقية وهي شكل من أشكال العبودية ، إلا أن الناس لم يدركوا وظيفة الأنبياء بل حارب بعضهم بعض ولم يرض بعضهم بتغيير الواقع الفاسد خاصة الطبقة المترفة يقول تعالى : { وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون } ( سبأ / 34 ) .

     قبل بعثة الأنبياء كان الاختلاف بين الناس في أمور المعيشة مما يؤدي ذلك إلى النزاع والصراع بينهم ، ولما بعث الأنبياء ظهر اختلاف آخر نتيجة لمعارضة طبقة { الملأ } أو المترفين لدعوات الأنبياء ويسمى الاختلاف في العقيدة أو الاختلاف في مفهوم الحق ، وأنهم لا يقلون أهمية و قدراً وإيماناً عند ربهم من الأنبياء ، وان الحق معهم وان تعالى يحبهم لذا أنعم عليهم بنعم الجاه والغنى ( المؤمنون/ /55و56) ، ورفض المترفون فكرة المعاد وأن الإنسان يحيا في الحياة الدنيا ولا يبعث بعد تحلل عظامه ( يس/78و79 ) .

     ينقسم الناس بعد ظهور الاختلاف في العقيدة إلى قسمين : قسم يتبع الأنبياء وهم قلة من أفراد المجتمع وقسم كبير يتبع أهل الباطل متأثرين بأفكارهم على اعتبار أن الكثرة تمثل الحق في نظرهم .

الاختلاف في تفسير الكتاب السماوي
     يظهر الخلاف بين أهل الملة الواحدة بعد موت النبي ، ولو ان التوراة والأنجيل فيهما التحريف فأن القرآن يطلب من اليهود النصارى الرجوع إلى هذين الكتابين لمعرفة الحق والوصول إليه من باب وشهد شاهد من أهلها ( المائدة/ 43 و68) .

     إن الانحراف الذي أصاب التوراة والإنجيل لا يمنع من وجود حق يمكن الرجوع إليه ولهذا يكون باب الهداية مفتوحاً ولذا لا يستأصل تعالى أهل الكتاب المعاصرين للدعوة الإسلامية عكس الأمم السابقة قوم نوح وهود وصالح و..إنهم مؤجلون إلى يوم القيامة ( الظلال ، ج4، ص628)

     ومن جانب فإن علماء أهل الكتاب يزينون لأتباعهم أن الحق عندهم وليس عند المسلمين مثلاً فلم يؤمن أكثر أهل الكتاب برسالة الإسلام .

     الاختلاف بين أهل الملة الواحدة بعد رحيل نبيها وموته يرجع ذلك إلى الاختلاف في مفهوم الحق فكل فرقة ترى الحق متمثل فيها وقد يرجع ذلك أيضا إلى عوامل الحسد وأتباع الأهواء والركون إلى الظالمين وحب الرئاسة وحب الدنيا وطمعاً بما في أيدي المترفين ، وتفاوت مستوى العقول بين علماء الملل .

     وفي الواقع المسلم فأن فهم آيات القرآن ومعانيه وأسباب نزوله بين العلماء المسلمين فتح المجال لظهور الفرق الإسلامية وظهور الاختلافات بينها على الرغم من أن الكتاب الإلهي نزل بلغة قريش وقد يعني تأثر المفسر بمذهبه واتباع مذهب الآباء .

الاختلاف في الأفهام والعقول
     قد يكون الاختلاف في حياة أي نبي بين أنصاره واتباعه وبين أنصار الشرك أو المشركين والكافرين ، ولكن ما أن يموت النبي أو يغيب عن أنصاره ولو لفترة محدودة فان الاختلاف يظهر كما حصل عندما ذهب موسى لميقات ربه وترك أخاه هارون خلفاً له بين قومه ونتيجة للاجتهاد الشخصي فان أنصار أي نبي يختلفون بسبب تفاوت مستويات العقول وتفاوت درجات الإيمان
نختم الحديث في هذا الجانب بالقول ان أصحاب الأديان قد يختلفون في قضية مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نتيجة لاختلاف الأفهام فقد تحث النصوص على هذه القضية كمنعطف لتفادي الانحراف في العقيدة فلا تستغرب ان آية الاختلاف كما في سورة (آل عمران ) ورقمها (105) قد وقعت بين آيتين من آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي بين آية (104) وآية (110) من نفس السورة .

الصراع واختلاف الحق
     يقول تعالى : { وآتينا عبسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات } ( البقرة/253) .

     يقول سيد قطب في ( الظلال ج1 ص414) : الاختلاف بين الناس ادى الاقتتال بينهم ولو ان الاختلاف كان من اجل مصلحة وليس مضرة حيث كان وسيلة للتكامل .

     وهذا يعني أن الصراع والاقتتال يزيد في  تعدد الاختلاف بين الناس وكلما زادت مدة الصراع كلما تعمق الاختلاف ، وقد يكون الاختلاف بسيطاً يمكن أن يحل بين الأطراف قبل الصراع والاقتتال ، ولكن عندما دخل المسلمون في الصراع العسكري مع قريش انحاز إليها كثير من اليهود وبعض القبائل العربية لأن بعضهم خاصة اليهود لا يريدون انتصار المسلمين في هذا الصراع مع أن اليهود يعلمون أن قريشاً لا تعتمد على أساس ديني كما هو الحال بالنسبة للمسلمين .
  
     على الرغم من أن الأديان السموية تكره الصراعات المسلحة إلا أنها لا يمكن تجنبها نتيجة لاختلاف الناس بعد بعثة الرسل .

     وقد فضل تعالى بين رسله كما يفهم من آية ( 253) من سورة البقرة ولكن التفضيل لا يعني الاختلاف والصراع بين ملل الأديان السماوية إلا أن عدم إدراك أقوام الأنبياء خطورة الاختلاف او عدم معرفتهم لأهداف أنبيائهم جعلهم يزيدون من لهيب الاختلاف حرارة وشدة وكل فرقة تعتمد على ما عندها من براهين وحجج .

صراع الحق والباطل
     اختلف الكتاب في مفهوم الحق والباطل اختلافاً كبيراً وقد يرجع ذلك إلى تأثر بعضهم بأجواء الصراع بينهما والانحياز إلى طرف او نتيجة فرض القيود والضغوط على أهل الحق فيصبح الباطل حقاً والحق باطلاً ، ، لذا نجد بعض الكتاب يعيش التناقض مع نفسه في طرح المفهومين : الحق والباطل وهذا يدعونا إلى القول أن معرفة أهل الحق أو أهل الباطل شيء ومعرفة مفهومي الحق والباطل شيء آخر لماذا ؟ لأن كل طرف يدعي الحق ولهذا لكي نحافظ على عقيدتنا نقول أن كل الطرفين على حق ، ويصل الأمر أن يتدخل رب العباد نتيجة لظروف في بيان الحق كما يقول تعالى : { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه } ( البقرة/213) .

     ولكن أين هم هؤلاء المؤمنون ولماذا لا نقف معهم بينما يقول بعض أن الطرفين مؤمنان ؟ لهذا نجد في تاريخ أصحاب الأديان السماوية ان كل طرف يريد ان يفسر الحق على حساب أهوائه وخلفيته الفكرية والعقائدية ، أولاً يجب على صاحب البصيرة ان يبحث ما هو الحق وما هو الباطل ؟ قبل أن ينزل إلى ساحة الصراع كي لا تنصر الباطل وأنت تعتقد انه الحق أو تناصر الحق دون معرفة أبعاده وبالتالي تصبغه حسب ما تمليه عليك الأهواء النفسية او الدعاية المضادة .

     الحديث عن البحث عن الحق والباطل عبارة عن الجهد الذي يبذله الإنسان وفق مقاييس الدين والذي يبحث عن الحقيقة لا خوف عليه وإن لم يصب الحقيقة في أول مرة ثم عليه ألا يتأثر بالأجواء الداخلية وترسبات { إنا وجدنا آباءنا على أمة وأنا على آثارهم مقتدون } ( الزخرف/ 22) .

     بل ألا يتأثر بالطاغوت وشياطين الأنس الذين يزينون الباطل حقاً ، ويلاحظ ان على مدار التاريخ ان أله الباطل يملكون كل الإمكانات في ترويج قضيتهم وقد ينتصرون ويزيد انصارهم خاصة الرعاع الذين يميلون مع كل ريح ، مع أن هناك شروطاً للنصر منها ان تعالى ينصر من يشاء وليس ينصر دائماً أهل الحق .

ماهية الحق والباطل
     يقول تعالى : { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت ... } (المؤمنون/71) .

     ويقول أيضا : { وان الظن لا يغني من الحق شيئاً } ( النجم/28) .

     وأيضا قوله تعالى : { وردوا إلى الله مولاهم الحق } ( يونس/30) .

     وأيضا : { ذلك بأن الله هو الحق وان ما يدعون من دونه الباطل } (لقمان/30) .

     وأيضا : { إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون } (الأعراف/139)

     وهذا الاستعراض السابق لبعض الآيات لمن يريد أن يبحث عن الحق والباطل ، فقد جاء مفهوم الحق مقابل الأهواء كما في الآية الأولى ، وجاء الظن في مقابل الحق كما في الاية الثانية وفي الآيتين الثالثة والرابعة يتبين أن الله سبحانه يمثل الحق بينما الذي لا يتمسك بحبل الله تعالى مثلاً يتمسك بالضلال أو الباطل .

     وجاء في تفسير الآية الأولى : فاقتضى لهم من الشرع ما تجازف به أهواؤهم لم يكن ذلك إلا بتغير أجزاء الكون وتبدل العلل وفي ذلك أيضا فساد السموات والأرض ومن فيهن وفي أنفسهم ( الميزان ج15،ص47) .

     وهذا يعني أن خلق الإنسان والكون وفق قوانين وسنن ثابتة لا تتغير وأنها جزء من خلق الله والله هو الحق والذي لا يفهم هذه السنن وهم الكفار فأنهم يريدون تغيير نظام الكون والحياة ظناً منهم أن الأهواء وما تمليه عليهم أهواؤهم هو الحق وهذا ظنهم لذا أراد تعالى أن يبين أن الظن لا يستند إلى أساس وان الحق له أساس ، ويظن الكفار أن الحياة المنعمة تكون حكراً لهم تجعلهم مميزين عن غيرهم وهذا يجعلهم يظنون أن الحق معهم ونابع في أنفسهم .

     ويقول تعالى : { كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } ( الرعد/ 17) .

     فالذي يرى الماء النازل من السماء ويجرف ما على الأرض ليس هو الحق وأن أصل الماء ما من عند الله وأن الأرض تحيى بأمر ربها بهذا الماء ، والماء يذكر الإنسان بالنعم الإلهية التي غفل عنها وأن ما ينفع الناس يبقى أي أن السنن الكونية المنتظمة مسخرة للإنسان ولكن الإنسان غافل عن ذلك ولا يعرف عن هذه السنن وسر وجودها .

     ويستفاد من الآية السابقة أن الله تعالى بصدد بيان الحق والباطل وأنهما من الله أي كما قلنا أن الحق يمثل الله سبحانه فأن الباطل معرفته تتم عن طريق رب العباد من خلال بعثة الرسل وبيان ما يعيشه الإنسان في الباطل ، فالإنسان من خلال وجوده في الأرض ومن خلال تجاربه وتجارب الأجداد والآباء فأنه يعيش على الباطل المتوارث ، وأن الباطل مثل الماء (الزبد ) يطفو له ظاهر فقط أي أن سيطرة الظالمين على زمام الأمور وما يعيشونه من الحياة إنما يمثل الحق في نظر نرهم ونظر الناس ، وقصة قارون تمثل هذه النظرة : { ياليت لنا مثل ما أوتي قارون أنه لحظ عظيم } ( القصص/79) .

     فالحق يتمثل في نظر هؤلاء الحياة الرغيدة ومن أموال وزخارف الدنيا بينما كل ذلك زائل وأن الحق هو الله لا يزول بينما الباطل عارض يزول ، أن الحق باقي في الإنسان سواء في داخله ويتمثل في خارجه ، فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين ولو أن الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين لهم من الله الحسنى ( شرح النهج ، صبحي الصالح ) ويقول علي :أما أنه ليس بين الحق والباطل إلا أربع أصابع ، الباطل ان تقول سمعت والحق أن تقول رأيت ( شرح النهج ) والفرق بين من أخطأ الحق وهم الخوارج وبين معاوية جماعته الذين أدركوا الباطل ، كما يفهم من رواية ( ويح عمار تقتلك الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ( الحق ) ويدعونه إلى النار ( الباطل ) ) . ( البخاري ، باب التعاون في بناء المسجد 2/ 273 ) .

فلسفة صراع الحق والباطل
     يقول تعالى : { قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو ، فأما يأتينكم مني هدى فمن ابع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } ( طه/ 123و124 ) .

     مع بداية نزول آدم إلى الأرض بدأ الصراع بين الأعداء آدم وحواء وإبليس كما يفهم من التفاسير ، آدم يمثل الحق فهو من جهة نبي الله وأنه عرف الحق بعد أن تاب إلى ربه ومن جهة عرف عدوه بعد أن بين له ربه ذلك العدو ، ، إبليس يمثل الباطل الذي تمرد على أوامر ربه وعرف مصيره الأسود ، وأصبح مصدر الباطل بعد تحدى أن يغوي آدم وبنيه ، مع ان إبليس يمثل نظام العالم الإنساني الذي أساسه الاختيار والإرادة بمعنى أن إبليس لا يستطيع إغواء كل الناس بل ولا يستطيع إجبار كل الناس على المعصية طالما لا يريد الإنسان ، ومع أن الإنسان العاصي يستطيع أن ينال رحمة ربه بالتوبة والرجوع إلى ربه ويتغلب على شيطانه ، وهذا العالم الذي سيده الإنسان خاصة الإنسان الكامل يمر فيه الإنسان بمراحل يكون للصراع جزء منه في الأرض وهو الجزء الأهم لتقرير مصير الإنسان لكن فهم فلسفة الصراع مهم أيضا ، ويفتح المجال لفهم الصراع في عالمي البرزخ والقيامة ( راجع سبأ/ 31-33 وإبراهيم / 21والأعراف / 50 والصافات / 55-57 وق / 28 والزمر / 31 والشعراء / 96 وص / 64 ويس / 49 .

     على الإنسان أن يعرف أن عدوه له بالمرصاد ولهذا حذر تعالى من هذا العدو ، فلا يغتر الإنسان أنه يعيش بسلام ودون منغصات لأن ذلك يدخل ضمن الاستدراج ثم الإغواء من قبل عدوه الأول ، ويمكن القول أن بعض يطرح هذا الإشكال وهو لماذا ينتصر أهل الباطل دائماً في الحياة الدنيا ؟

     يكمن الجواب في الإجابة عن السؤال الآخر : لماذا خلق تعالى الجنة والنار؟ فإذا انتصر أهل الحق دائماً في معارك الحياة وساد الحق ربوع الأرض ولا يبتلي الإنسان بالبحث عن الحق والباطل فلا داعي لخلق النار ولا داعي للحساب والجزاء , أليس كذلك ؟ ثم أن صاحب السؤال الأول غافل عن هدف خلق الإنسان : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ( الذاريات /56) .

     هدف الخلق العبادة وفي قول آخر هدف الخلق معرفة الرب ، ولا يتأتى ذلك إلا بالمجاهدة والمثابرة والصبر ، كل هذا من أشكال الصراع ، فإذا اعتقد الإنسان أنه عبد لربه ويطيع أوامره ليس فقط بالصلاة الشكلية أو بصوم الجائعين وإنما يطيعه في الشدة والرخاء وتعمق في فهم الأحكام .

     من خلال صراع الحق والباطل يبرز دور الإبتلاء وأنه سنة من سنن الله تعالى ، يقول تعالى :{ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } ( العنكبوت/ 2) .

     هذا الابتلاء سوف يفرز معسكرين معسكر حق ومعسكر باطل والذي يعيش العمى ويعتقد ان الحياة يجب أن تكون سهلة ميسرة فهو مخطئ في تصوره ويمكن أن يراجع إيمانه وإلا أصبح في معسكر الباطل لأن الابتلاء كما قلنا سنة كونية ولا يعتقد أحد أنه يعيش حياة بدون صراع أو بدون ابتلاء ، بل يفهم من الآية السابقة أن الابتلاء يتعرض له المؤمنون من اجل غربلة إيمانهم .

     وكما مر ذلك أن ساحة الصراع بين الحق والباطل لا تجعل أهل الحق ينتصرون في الحياة الدنيا دائماً ولو أن تعالى وعد أولياءه بهذا النصر ( المجادلة / 21) .

     إلا أن هذا الوعد مشروط بشروط منها تكافؤ العدد والاستعداد الكامل لملاقاة العدو واختيار أرض المعرفة وتأمين طرق المواصلات والتوكل على الله سبحانه وتعالى ، ثم أن الهزيمة قد تكون ابتلاء للمؤمنين كما حصل ذلك في أحد وحنين ، وكذا قد يتأخر النصر الإلهي سنين طويلة كما في قصة نوح –ع- وقد لا ينتصر أهل الحق في الدنيا في مفهوم الناس مثل قتل الأنبياء والصالحين على أيدي الظالمين إلا أن النصر يعني انتصار مبادئ الأنبياء وانتشارها في ربوع الأرض على الرغم من سيادة دولة الباطل وتفشي الفساد والظلم .

أساليب الصراع وأدواته
     يستخدم طل طرف كل ما يملك من أساليب وأدوات في الصراع مع الأطراف الأخرى ، وقد تكون الأساليب متعددة ومتجددة حسب الزمان والمكان والمستوى الحضاري أو العلمي ، وتنحصر هذه الأساليب في ثلاث وسائل : الفكر والمال والسلاح ، وهناك من يقول بوجود وسيلتين أثناء هذا الصراع ، المال والفكر على اعتبار أن السلاح يدخل ضمن وسيلة المال ، لكن اختيار السلاح كوسيلة ثالثة يعطي معنى أعمق للصراع .

أولاً : وسيلة الفكر
     يختلف الإنسان عن غيره من الكائنات الأرضية بالفكر والعقل حيث زود بالعقل لفهم الحياة وهدفها وتسخير سنن الكون لأجله ، ويستخدم أهل الحق الجدال بالموعظة الحسنة والدعاية والشعر والتحدي المضاد بينما يستخدم أهل الباطل الجدال والتحدي والمكر والكيد والاتهامات والشعر والتصدي عن سبيل الله تعالى ، وإليك التفصيل .

الجدل :
     يلجأ إليه الإنسان في حالات خاصة نتيجة لظروف ويهدف منه الوصول إلى إقناع الآخر أو تبرير موقفه أو التلاعب بالألفاظ ، ونشأ أسلوب الجدل في أوساط غير مسستقرة وبين الناس يختلفون في فهم قضايا الحياة ، والجدال نوعان الجدال بالتي هي أحسن عند أهل الحق والجدال العقيم عند أهل الباطل ، وكثيراً يلجأ الإنسان إلى الجدال بعد فشله في إدراك أو هضم الأفكار التي تصطدم مع أهوائه وخلفياته الثقافية والدينية الموروثة ، ويختلف الجدل في الإنسان حسب ثقافته أو عناده وكبره أو أنانيته وهو مفطور على الجدال { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } ( الكهف/ 54) .

     ويلجأ أهل الباطل إلى الجدال كثيراً أكثر من أهل الحق ، بل أدب تعالى عباده المؤمنين بكيفية الجدال : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون } ( العنكبوت /46) .

     وقد واجه الإسلام وأهله تحديات من قبل أعدائه مثل المشركين واليهود والنصارى عندما طرحوا قضايا تمس العقيدة مثل التوحيد والبعث والنبوة .

قضية تعدد الآلهة والتوحيد
     طرح هذه القضية مشركو قريش ( سورة ص/ 5) الشرك عبادة قديمة وجدت مع الإنسان وطرح القرآن نماذج لأقوام منذ عهد نوح –ع- وإلى عصر رسول الله (ص) مارسوا عبادة الأصنام وغيرها ، مع أن هؤلاء القوام يقرون بالله رب الكون ولكنهم يشركون به باتخاذهم آلهة تقربهم إلى الله تعالى ، لذا ظهر الجدال كوسيلة من الصراع بين الحق والباطل ، أهل الباطل يدافعون عن تعدد الآلهة بينما أهل الحق يدافعون عن إله واحد يسير الكون ، وكلما قدم أهل الحق الأدلة و البراهين كلما تمسك أهل الشرك بعقيدتهم ويبحثون عن وسائل أخرى للدفاع عن عقيدة الشرك ، ولعل قريشاً استفادت من عبادة الأصنام بأن جعلتها تتزعم القبائل وتدير شئون البيت العتيق .

     قضية انكار البعث ( المعاد) :ترتبط قضية انكار البعث بالغنى وكثرة الأموال والأولاد والنفوذ ، تتزعم طبقة الملأ أو المترفين رئاسة المجتمع القبلي ( البشري ) وقد تصدت هذه الطبقة بكل قوة لدعوة الأنبياء الذين طرحوا فكرة الحياة بعد الموت ، وأنكروا المعاد لأنهم انغمسوا في شهواتهم ومنكراتهم بعد أن سمعوا أن الإنسان يحاسب على أعماله ويظنون أنهم أسياد وليسوا بعبيد كي يحاسبوا كذلك حالة القلق في داخلهم تجعلهم يرفضون فكرة المعاد وهذا القلق ناتج للتناقض الذي يعيشه المشرك فهو من جهة يقر رب العالمين يخضع له لأنه أنعم عليه ومن جهة يرفض كلام النبي الذي يدعوه ألا يعصي ربه باتخاذه إلهاً غيره ، كذلك يظن المشرك أن تعالى سوف ينعم في الآخرة إذا كان هناك يوم القيامة والمعاد كما أنعم عليه في الدنيا ( الكهف/ 35 و36 ) .

قضية إنكار النبوة
     من أسباب إنكار المشركين هذه القضية أن تعالى غير مرئي وله ملائكة وأن على الملائكة أن تخبرهم بقضايا الدين وليس بشر كالنبي ، ثم إذا أراد تعالى أن يخبر بشراً يخبرهم بذلك لأنهم علية القوم وأسيادهم ، وبذلك جادلوا النبي بهذه القضية وغفلوا أن تعالى بلطفه وباختياره يرسل الرسل من البشر لهداية أقوامهم الذين يفهمونهم ويكون النبي معروفاً لديهم ، حتى أن المشركين يحسدون النبي لأنه مفضل بأخلاقه وصدقه عند الناس بينما يكون المشرك فضا غليظ القلب ، كذلك أنكر اليهود والنصارى نبوة محمد (ص) وقد أراد النبي (ص) أن يضم اليهود إلى الصف المسلم بكل الوسائل كي لا ينحازوا إلى قريش لكن اليهود استخدموا الجدال ليشككوا المسلمين بدنهم ، وليقوا شوكة المشركين كي لا يدخلوا الدين الجديد ، كذلك أنكر النصارى نبوة محمد (ص) لأنه اعتبر عيسى ابن مريم عبداً لله ونبيه أرسله إلى بني إسرائيل .

     الأنبياء يستخدمون أسلوب النصح قبل أسلوب الجدال ، لكن أعداءهم يستخدمون كل الوسائل كي لا يصل نداء الحق إلى ضمائر عامة الناس ، فتارة يطرحون قضية ما في جدالهم مع الأنبياء وبعد حين يطرحون قضية مناقضة للأولى عكس الأنبياء ، لذا يسمى الجدال الذي يستخدمه أهل الباطل بالجدال العقيم ( الكهف / 56 )

     هدف الأنبياء من الجدال الوصول إلى الحق وهدف أهل الباطل تكريس الأنانية والإصرار على الباطل .

التحدي:
     وهو الأسلوب الثاني بعد الجدال يلجأ إليه أعداء الدين إليه بعد فشلهم في جدال أهل الحق ويتمثل التحدي بطلب وبإتيان المعاجز كما في قوله تعالى : { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا ينبوعاً أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً أو تسقط المساء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً أو يكون لك بيت من زخرف او ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه } ( الإسراء /90-93) .

     ويفهم من الاستعراض السابق للآيات أن أهل الباطل لا يريدون طلب الحق لإتباعه وإنما يريدون التعجيز والإحراج والتحدي ، مع ذلك اتبع أهل الحق أسلوب التحدي بالمثل لأنه أسلوب المعاندين ، فطلب القرآن منهم بالإتيان بسورة أو بآية ( هود/13) .

     وأخيراً يدل التحدي على مدى قوة الخصم الذي يريد أن ينازع الطرف المقابل فأهل الحق منذ البداية يعرفون أنهم يستندون إلى القوة المطلقة وهي الله سبحانه ، وقصة المباهلة تدل على الاعتماد على قوة رب العالمين وأحقية أهل الحق ( آل عمران /61 ) .

الاتهامات :
     أسلوب التهم يستخدمه أهل الباطل نتيجة لتردي أخلاقياتهم وعجزهم عن مواجهة البراهين الساطعة التي يسمعونها من الأنبياء ، فيلجأ أهل الباطل إلى السب بالألفاظ غير اللائقة واتهام أهل الحق ( الأنبياء ) بتهم الجنون والسحر والكهانة ، أول التهم اتهم بها الأنبياء تهمة الجنون على اعتبار أن النبي (ص) بعث وهو يدعو إلى نبذ الأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع ( الشعراء/ 27) .

     هذه التهمة لا تلقي آذاناً صاغية من قبل عقلاء القوم إذ يرون أن النبي إنسان كامل من الناحية العقلية والنفسية والاجتماعية ، مما يعني التجاء الكفار إلى تهمة النبي بتهمة أخرى وهي تهمة تعاطي الشعر يقول تعالى : { بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر } ( الأنبياء:/ 5) .

     مع أن الكفار استغلوا أسلوب الشعر كأسلوب دعاية كما سيأتي في محله ، تهمة تعاطي الشعر لا تصمد أمام أسلوب القرآن البلاغي الذي يتحدى كل العرب وفصحائها أن يأتوا بمثل هذا القرآن ( الإسراء /88 ) .

     اتهم الكفار أيضا النبي بتهمة تعاطي السحر بعد أن رأوا المعاجز على يدي النبي يقول تعالى : { إن هذا لساحر مبين } ( يونس/2) .

     واتهم الأنبياء أنهم كهنة يتحدثون عن الأمور الغيبية أو يتصل النبي بالكهنة من اليهود والنصارى وغيرهم فرد القرآن هذه التهمة ( الطور/ 29( .

     أخيراً الاستهزاء نوع من أنواع التهم التي أتهم بها الأنبياء بغية أبعاد الناس عنهم وحط من قدرهم ، وقد تناسى أهل الباطل أن العيوب الجسدية خارجة عن إرادة الإنسان ولا حرج فيها لكن العيوب الداخلية او الصفات والأخلاق الذميمة مسئول عنها الإنسان لذا عليه أن يتطهر منها ، توجد أكثرها في أهل الباطل الذين لا يريدون أن يتطهروا من الأمراض القلبية .

الشعر :
     الجزيرة العربية بيئة يكثر فيها الشعراء قبل ظهور وبعد الإسلام ، نبغ شعراء في الشعر الطويل أو ما يسمى بـ (المعلقات) ، الشاعر لسان حال القبيلة أو الجماعة البشرية ، والشاعر هو الناطق والناقل لأفكار القبيلة وله منزلة عند قومه ، استغلت قريش الشعر في محاربة الدعوة الإسلامية وبالمقابل اعتمد المسلمون على الشعر الدعائي للدفاع عن الإسلام ونبيهم
الشعر في خدمة الشرك : مع أن المشركين اتهموا النبي (ص) بتهمة تعاطي الشعر إلا أنهم استخدموا الشعر في الدفاع عن باطلهم لأن الشعر يمثل جهاز الدعاية والإعلام لطرح قضايا القبيلة ، فقد ظهر الشعراء في التصدي للإسلام مثل كعب بن الأشرف وسماك اليهودي ، بينما دافع بعض الشعراء عن النبي والإسلام كأبي طالب في مكة وحسان بن ثابت في المدينة وكعب بن مالك ( سيرة ابن هشام ج1 ص94 وج2ص17 وج3ص221) .

     استغل بعض الشعراء في مدح الأمراء والظالمين من أجل دريهمات وجوائز يطمعون فيها ( راجع العقد الفريد والبخلاء والحيوان ) .

الكيد والمكر :
     يعدان من عناصر الصراع بين الحق والباطل ، وقد يأتي معنى الكيد في الجهاد والحرب بينما المكر بمعنى الحيلة وقد يحمل معنى العذاب ( فاطر /43) لذا قد يكون معنى الكيد أشمل من كلمى المكر وأن نتيجة الكيد هي المكر كذلك الكيد عبارة عن حالة نفسية خفية في الإنسان مثل الحسد لا يظهر أثرها في الظاهر ( يوسف/5) ، هذا وقد نسب تعالى جلت قدرته الكيد إلى نفسه بقوله تعالى : { إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيداً } ( الطارق/ 15) .

     يقول القرطبي : ليس منه تعالى مكر ولا كيد إنما هو جزاء مكرهم واستهزائهم وجزاء كيدهم والاستهزاء هو استدراجهم فيظهر لهم من الإحسان في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم ويستر عنهم من عذاب الآخرة فيظنون أنه ( الله ) راض عنهم ( تفسير القرطبي ، ج1 ، ص208) بعد أن يحتدم الصراع بين الحق والباطل وتستخدم أساليب كثيرة من قبل أهل الباطل يلجئون إلى الكيد أولاً ثم المكر ثانياً .

مرحلة الكيد :
     هذا أبرهة الحبشي أراد هدم الكعبة بعد أن فشل في إجبار العرب لتقديس الكنيسة ، أبطل تعالى كيده ، وهذا فرعون جمع كيده باستدعاء السحرة لمقابلة معجزة العصا ، أو جمع حبال أفكاره وخطط لإفشال مهمة موسى ( طه / 60) .

مرحلة المكر :
     تعتبر مرحلة تنفيذ الخطط ، يقول تعالى : { قد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } ( إبراهيم/46) .

     واستطاع تعالى أن ينقذ عبده رسول الله (ص) من القتل بأن يهاجر إلى يثرب ( الأنفال / 30) وقد يتبين من الآيات 73 -76 سورة الإسراء : أن المشركين اتبعوا أسلوب المكر والكيد من أجل انتزاع الاعتراف بالوضع الوثني والإقرار بشرعية الشرك في مكة من صاحب الدعوة النبوية .

ثانياً : وسيلة المال
     المال من أهم عناصر الصراع وقد استغل أهل الباطل المال بضرب الإسلام وهم يظنون أنهم يتفوقون على أهل الحق بالمال ، حتى أن القرآن يبين أن أصحاب الأموال يقفون أما دعوات الأنبياء ( المؤمنون /55-56 ) وبالأموال يتمايز أهل الباطل عن عامة الناس أو الرعاع ويصل بهم الأمر أن يمنعوا المال عن مستحقيه خاصة إذا صدر أمر من رب العباد وأنبيائه ، والأموال عبارة عن ابتلاء سواء كانت الأموال بيد الكفار أو المؤمنين ( الإسراء /20) وتكون الأموال نقمة على أهل الباطل وقد عبر عنها بالاستدراج والإملاء خاصة عند صرفها في التصدي لدعوة الحق .

المال في خدمة الباطل
     ينفقون المال في الحروب ضد الإسلام أو منح الشعراء المال ليذموا أهل الحق ، ويطمعون مرض القلوب لقتل أهل الحق بالمال ، ويصل الأمر إلى صرف المال لتشكيل عقول الناس وفق ما يريده أصحاب الباطل الذين يسخرون المال من أجل تعبيد البشر وجعلهم أسرى وسالبي الإرادة ، إن الدعاية المضادة التي تستخدم في أجهزة الأعلام أيام الحروب والسلم من أهدافها سلب حرية تفكير الإنسان كي يصبح آلة يحركها أصحاب الأهواء ، وأيضا تشكيل عادات المستهلكين واتجاهاتهم لشراء السلع ( بل والأفكار ) وفق ما يريده الطاغوت ومن في حكمه من خلال الإعلام التجاري ( مجلة العربي الكويتية عدد فبراير 1987م)

المال في خدمة الحق
     لقد انفق المسلمون الأوائل كل حسب طاقته المال من أجل رفعة دينهم ، قال الشاعر الفرزدق شعراً في مدح علي بن الحسين فأمر هشام بن عبدالملك حبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة فبلغ ذلك علي بن الحسين فبعث إليه بأثنى عشر ألف درهم .

ثالثاً : وسيلة السلاح
     روى احمد في مسنده عن ابن عمر : قال رسول الله (ص) بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له .

     وروى الإمام الصادق : الخير كله في السيف وتحت ظل السيف ولا يقيم الناس إلا بالسيف والسيوف مقاليد الجنة والنار .

     ويمتدح الله تعالى نبيه داود الذي يصنع السلاح يقول تعالى: { وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد } ( سبأ / 11) .

     ويستخدم السلاح في الاغتيالات الفردية أو في الحروب في القتل الجماعي ، وقتل تعرض أبياء الله تعالى إلى القتل أو محاولة القتل كما في بني إسرائيل ، كذلك تعرض رسول الله (ص) إلى الاغتيال عدة مرات قبل الهجرة إلى يثرب وتعرض الرسول (ص) إلى القتل في غزوة أحد بعد هزيمة المسلمين ، وتعرض إلى محاولة القتل على يد اليهود ( سيرة ابن هشام ج2، ص136) في المقابل قام المسلمون باغتيال بعض رموز الشرك والكفر مثل كعب بن الأشرف وسلام بن أبي الحقيق ( سيرة ابن هشام ج3 ، ص286) .

الجهاد والحرب :
     شرع الإسلام الجهاد في سور قرآنية عديدة مثل: النساء/ 74 والأنفال / 38 والتوبة / 29 والحج / 39 .

     من أسباب الجهاد مدافعة المسلمين عن دينهم ( مبدأ الدفاع ) ، وانقاذ الإنسان من العبودية لغير الله ، ( في ظلال القرآن ، سيد قطب ج3، ص747) .

     ومن أسباب الجهاد الدفاع عن النفس والعرض والمال ( النساء/ 75) وجهاد الكفار والمشركين ( التوبة/ 29) .

     بعد قيام دولة الإسلام بقيادة النبي (ص) في المدينة أخذ يرسل سرايا لتأمين حدود الدولة وحارب المسلمون المشركين في الغزوات : بدر وأحد والخندق وحنين وتبوك وكان صراع المسلمين مع أعدائهم مر بمراحل : منها تأمين حدود الدولة الإسلامية وتوجيه ضربات مؤثرة للعدو المتربص بالمسلمين وتوسيع رقعة الدولة .

المراجع
القرآن الكريم
تفسير الميزان
تفسير في ظلال القرآن
صحيح البخاري
السنة لابن أبي عاصم
بنو إسرائيل في القرآن والسنة
محاضرات في النصرانية نهج البلاغة سيرة ابن هشام
العرب واليهود في التاريخ
دور الحجاز في الحياة السياسية العامة
فقه السنة سيد سابق
مجلة العربي الكويتية
12 / 12 / 2012


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق