السقوط الحضاري
في نظر القرآن
الباحث / عباس سبتي
سبتمبر 1996م
الباحث / عباس سبتي
سبتمبر 1996م
مقدمة:
قال تعالى : { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم
قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء
وإن الله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين } ( آل عمران/
140) .
تتحدث الآية عن حال المسلمين يوم أحد بعد أن انهزموا أمام قريش ، إن فلسفة النصر والهزيمة لم يكن واضحاً في أذهان المسلمين ، وإن انتصارهم يوم بدر جعلهم يفكرون أن النصر حليفهم دائماً ، ولما كان هذا يخالف السنة الإلهية فقد أراد تعالى أن يبين لهم أن النصر والهزيمة يخضعان لظروف موضوعية وان الله تعالى قد يتدخل في هذه السنة لحكمة وإن مداولة الأيام بين الناس تكون وفق السنن الإلهية فهي من جهة تنبه المؤمنين أنه ليس بيدهم شيء حتى هذا الإيمان فيغتروا به وإنما كل شيء بيده تعالى ، ومن جهة أخرى حتى يميز تعالى المؤمن عن غيره ، فالمؤمن عليه أن يتعظ وان إيمانه غير كامل وان عليه اجتياز الاختبار حتى يتكامل إيماناً ، وأن الطرف المقابل قد يملك إيماناً أيضا وقد يستفيد من السنة الإلهية ويجتاز طريق الانحراف ، ومن جهة ثالثة أن غير المؤمن إذا استمر في طريق الانحراف فأنه سيزداد إثماً و بعداً عن الخط الإلهي فيسقط ، ولو انه انتصر على أهل الإيمان ، لذا على المؤمن أن يصبر ولا ييأس وأن هذا النصر الظاهري سيتحول إلى هزيمة وخسارة للكافر وهو ما يعرف السقوط الحضاري .
إن { تلك الأيام نداولها بين الناس } تدل
على أن الأيام أو الحكم والسيطرة والقيادة لا تكون حكراً لفئة دون أخرى ، بل
الأيام تنتقل من يد إلى أخرى وكما أن السقوط الحضاري ليس يصيب جماعة دون جماعة ،
لذا خاطب القرآن المعاصرين للدعوة ومعارضيها أن يسيروا في الأرض ليروا آثار الأمم
السابقة التي كانت لها حضارة عريقة وكيف انتهوا وهلكوا وكانوا أقوى من قريش ( غافر
/ 82) .
فأين هم الآن فكيف تودون أن تبقوا وتخلدوا ؟
فالسنة الإلهية تخبرنا أن السقوط الحضاري لا يستثنى منه أحد وأن هذا السقوط عبارة
عن استمرار لدورة الحياة وان الصراع بين الحق والباطل لا بد أن يسفر عنه سقوط امة
وقيام أمة ، وإذا كانت هزيمة المسلمين في أحد مثلاً إنما من أجل ابتلائهم وابتلاء
غيرهم
تعرض الفلاسفة والمؤرخون قديماً وحديثاً إلى سقوط الحضارات والدول وان هذا السقوط حتمي لا محالة ( التفسير الإسلامي ، عماد الدين خليل ، ص205) ولكن اختلفوا في أسباب هذا السقوط .
تعرض الفلاسفة والمؤرخون قديماً وحديثاً إلى سقوط الحضارات والدول وان هذا السقوط حتمي لا محالة ( التفسير الإسلامي ، عماد الدين خليل ، ص205) ولكن اختلفوا في أسباب هذا السقوط .
يرجع فلاسفة عصر النهضة الأوربية إلى سيطرة
رجال الكنيسة على زمام الحياة السياسية في أوربا بينما يقول آخرون من أمثال
"سان أوغسطين وجاك بوسيه" أن سبب السقوط يرجع إلى ان قوة الإنسان أقوى
من قوة الدين وفي القرن العشرين ظهر فلاسفة مثل " شبنجلر " و "
توينبي" أرجعا سقوط الحضارة الغربية إلى عوالم فقد قال الأول إن لكل حضارة
دورة نمو ثم شباب ونضج وشيخوخة وفناء نتيجة ما رآه من مأسي الحرب العالمية الأولى
في أوربا فنظر نظرة تشاؤم إلى حضارة الغرب وأنها سوف تسقط هذه الحضارة مثل غيرها
وهذا ما حدا بالثاني " توينبي " والذي عاصر الحرب العالمية الثانية وتأثر
بكتاب شبنجلر " انحلال الغرب" ان قال: إن مصير الحضارة الغربية مصير
أسود وأنها ستسقط مثل الحضارات السابقة وعددها ب (21) حضارة في كتابه " دراسة
التاريخ " وانه يخالف " شبنجلر" بالتعاقب الدوري للحضارة وسقوطها
وقال: إن الموت للحضارات السابقة لم يكن قضاء وقدراً وإنما انتحاراً وهو نفس مصير الحضارة الغربية عندما تقوم الحرب
العالمية الثالثة ( في فلسفة التاريخ ، أحمد محمود صبحي ، ص264) .
وأما النظرية الإسلامية في أسباب سقوط
الحضارة : أن كل حضارة سوف ينتهي دورها ولها أجل محدود كما أن للفرد أجلا محدودا ،
وأن إرادة البشر لها دور في هذا السقوط إلى جانب السنة الإلهية وان هذا السقوط
يقرب الأمة والفرد من عالم الآخرة ويجب الاستفادة من فلسفة الحياة والاستزادة من
السنن الكونية ومعرفة موقع الإنسان من الكون والحياة وسير الإنسان بل وسير كل شيء
إلى المطلق الأعلى وأخيراً معرفة الذين يسببون في السقوط الحضاري حيث أنهم ينقسمون
إلى أربع فئات وهي تسهم في خراب الأرض أو السقوط فيشملها العقاب المادي ( الظاهري)
أو العذاب المعنوي ( الباطني ) في الحياة الدنيا ، وهناك سقوط الفرد وسقوط الجماعة
، وهناك وراثة للحضارة أي أن أقواماً ترث حضارة أقوام سابقين عليها .
مظاهر
السقوط :
من خلال المقدمة السابقة للبحث عرفنا أن
السقوط يختلف من حيث القوة أو الشدة ومن حيث الزمان والمكان والأشخاص فقد يكون
السقوط قوياً إلى درجة تختفي أقوام على سطح الأرض ولا يعرف أحد حضارة هؤلاء
الأقوام أو يكون السقوط شديداً يتناقل جيل حدث هذا السقوط إلى جيل آخر كما بالنسبة
لطوفان " نوح" ، وقد يكون السقوط لحظة زمنية خاطفة كما بالنسبة لقوم لوط
أو وقم صالح أو قوم هود ( هود/89) أو يكون السقوط مؤقتاً في مكان معين كما حدث
للمسلمين عندما انهزموا في أحد أو في حنين ( آل عمران / 152-155) .
السقوط لا يعني للمتبصر فقط معرفة تاريخ الأمم الهالكة والساقطة التي شملها العذاب الإلهي بل يكون هذا السقوط درساً لمعرفة أسباب السقوط والاستفادة من هذا السقوط ، وقد يخبرنا تعالى عن السقوط قبل فترة من الزمان بعدما يخبر النبي أو المصلح عن هذا السقوط كي تتعظ الأمة وكما قيل أن سقوط حضارة مأرب ليس بسقوط أو تصدع سد مأرب وإنما بدأ عند سقوط أول حجرة لهذا السد .
مظاهر
السقوط المادية :
السقوط أو التدمير يحكي عنه القرآن في آيات
عديدة كما في آيات : 59-64 من سورة الأعراف كما بالنسبة لقوم نوح أو في آيات 6-8 من
سورة الحاقة كما بالنسبة لقوم هود ( عاد) وهكذا الحال لقوم صالح ( ثمود) كما في
الآيات : 73-78) من سورة الأعراف ، وقد يكون العذاب على شكل انفجار ذري ( صاعقة )
( كتاب أساسيات العلوم الذرية الحديثة في التراث الإسلامي ) .
إن عذاب وهلاك الأمم السابقة كان معروفا لقريش وهم يسيرون في مساكنهم كما كانت قريش تمر في أسفارهم بمساكن عاد بالأحقاف في اليمن ومساكن ثمود وأصحاب الأيكة بالشام ومساكن لوط بفلسطين ( طه/ 128) .
أول مظاهر الدمار والهلاك لفرعون وجنوده القحط والجفاف ثم تبع ذلك الطوفان حيث فاض النيل وهلاك المزروعات والحيوانات وسلط تعالى على مزروعاتهم الجراد والقمل ( السوس) على مخازن الحبوب والضفادع تزعجهم إذا أخلدوا للنوم والراحة وأخير الغرق في البحر .
مظاهر السقوط غير المادية
1- من
هذه المظاهر عدم معرفة الإنسان هدف وجوده على الأرض وإذا شعر بالرحمة والنعمة يقول
أنه محبوب إلى ربه وان الفقراء لا يحبهم تعالى ، فلا يأمن مكر الله تعالى ، يفهم
من آية ( 178) من سورة آل عمران أن الإنسان لا يعتقد أن له ذنباً ثم يرى النعم
وآثارها عليه ويتمايز عن الآخرين وانه يخلد في الأرض طويلاً وليس هناك عذاب في يوم
القيامة ويأمن مكر الله تعالى عندما يرفع عنه العذاب مؤقتاً لا يؤمن كما حصل
لفرعون وجنوده وعندما لجأت قريش إلى النبي (ص) بعد أن أصابها الجفاف ( الظلال، ج4
ص402) ويكون هذا السقوط قريباً جداً ( الكهف/104 ) .
2- الختم على القلوب والأبصار والأسماع :
هناك عدة وسائل لطريق الهداية وارتباط
العبد بخالقه هناك الكتب السموية والأنبياء والأوصياء والصلحاء والفطرة والعقل
والأعضاء والجوارح ، فالأذن قد تسمع بالحق أو العين ترى الحق فيأتي دور العقل
فيميل إلى الحق لكن قد يستغل العبد الحواس في ارتكاب المعاصي فمن جهة يعطل العبد
وظيفة الحواس فتصبح هذه الحواس نقمة عليه وليس نعمة ويصبح كالحيوان يدخل مرحلة
" الطبع " على القلب ( النحل / 108) في مرحلة الطبع تعطيل لوظيفة الفؤاد
وإذا استمر في غيه فانه ينتقل إلى مرحلة " الختم " بعد أن عطل كل حواسه
والغفلة من أسباب الختم ، إذ ان لوظيفة الحواس وظيفة بيولوجية ووظيفة هداية فالحزن
والفرح والغضب والبكاء والحب من وظائف الفؤاد البيولوجية ، بينما اتباع الحق
والثبات عليه من وظيفة هداية الإنسان .
الختم على الأعضاء مرحلة من مراحل السقوط :
سقوط الفرد أو سقوط الجماعة (
الحضارة ) ويصل الإنسان إلى عدم التمييز بين الحلال والحرام واستصغار الذنوب ويدخل
في دائرة الذنوب ولا يستطيع أن يخرج منها ( الأعراف/146 ، الإسراء / 16) والختم
لها أسباب منها الاستكبار النفسي وعدم سماع كلام الأنبياء وعدم الإيمان بمعاجز
الأنبياء والركون إلى الدنيا وزخارفها ونسيان الآخرة وكثرة الذنوب وإعراض عن ذكر
الله تعالى ومجالسة أهل المعاصي ( الباطل ) وقسوة القلب ( البقرة/74) .
3- مرحلة الخزي في الحياة الدنيا
الخزي حالة نفسية يعيشها المنافق
والمشرك والكافر عندما يرى قوة أهل الإيمان أو يعذب المعاند في الدنيا مؤقتاً أو
يخاف المشرك القتل على يدي المؤمنين ، ومن أهل الباطل من يعيش الخوف من الفقر أو
أسير الخمر ، والخزي نوع من العذاب الإلهي ( الزمر/ 26 ) .
4- الخوف من الجوع وعدم الأمان :
من خلال الشائعات التي تحدث في
الحروب يعيش الناس الخوف من كل شيء نتيجة لضعف الإيمان وقد يهاجر العلماء
والمفكرون المناطق غير الآمنة ، إن سلب نعمة الأمان مظهر من مظاهر السقوط ولو أن
ذلك يدخل ضمن الابتلاء الهدف منه تربية الفرد والأمة وقد مر ذلك الحال على
المسلمين في غزوة الخندق عندما أحيط بهم الكفار وحلفاؤهم من القبائل العربية
واليهود .5- الأمراض
العصرية : وهي على أنواع : الأمراض العضوية مثل السرطان والقلب والقرحة والسكر
وضغط الدم ، والأمراض النفسية : القلق والكآبة وانفصام الشخصية واللامبالاة
والأنانية ، والأمراض الاجتماعية : الطلاق والتفكك الأسري والانتحار والإسراف
والتبذير والعزلة الاجتماعية ، والأمراض الجنسية : الزهري والسيلان والهر بز
والايدز .
أصبحت هذه الأمراض سمة العصر الذي نعيشه وقد كانت بعض الأمراض غير موجودة في العصور الماضية ، وهذه الأمراض تهلك الحرث والنسل كنتيجة للعذاب الإلهي ، ولو أن المرض قد يكون سبب تكامل الإنسان .
أسباب
السقوط الحضاري :
اختلف المؤرخون والمفكرون في أسباب هذا
السقوط لكنهم اتفقوا على أن البعد عن الدين والانغماس في الماديات كسبب رئيس لهذه
الأسباب .
عمر أي حضارة يختلف في الطول والقصر باختلاف كبر المساحة وتنوع أجناسها وقد يكون أمر سقوط الحضارة من الحتميات إلا أنها لا تسقط في نظر أهل الفكر بل يموت هؤلاء المفكرون والحضارة باقية ولو أن السقوط واضح العيان لهؤلاء إلا أن السقوط يكون خافيا لعامة الناس ، وقد يموت كثير من أناس لهم دور في تهيئة أسباب سقوط حضارتهم ولكن حضارتهم لم تسقط معهم إلى أن يظهر جيل جديد بعضهم يساهم في الإسراع بالسقوط وبعضهم يولد وينتج حضارة جديدة .
هناك نوعان من السقوط :
سقوط بسيط هو سقوط وموت الأفراد أو هزيمتهم
عسكريا نفسيا وسقوط مركب هو إحلال حضارة مكان حضارة .
بعض يقول أن الحضارة الغربية الحالية مستقبلها غامض وهناك رأي أن وراثة هذه الحضارة في الفئات : اليهود والجنس الصفر ( الصين ) والمسلمون
اليهود لهم دور كبير في الحضارة الحالية بل ويساهمون في سقوطها نتيجة مكرهم وخبثهم ( برتوكولات حكماء صهيون ) وهم لا يسمحون بنشر دينهم لذا لا يرثون الحضارة الحالية .
اليابانيون الصينيون :
ازدهرت حضارة اليابان في القرن
التاسع عشر وكونوا إمبراطورية كبيرة لكنهم انهزموا في الحرب العالمية الثانية
وأصبحت اليابان مستعمرة أمريكية ، وأما الصينيون فقد تأثروا كثيراً بالحضارة
التكنولوجية الحالية وظهرت الصين كقوة اقتصادية حتى توقع بعض أن ترث هذه الحضارة
من الناحية الاقتصادية إلا أن الحرب الكونية القادمة ستضعف قيادة الصين في إدارة
العالم
المسلمون :
المسلمون :
بعد انهيار الحضارة الغربية الحالية نتيجة
للحروب والكوارث الطبيعية التي نشهد مقدماتها الآن المتمثلة بتدهور اقتصاديات
أمريكا والدول الغربية ، حيث أن المسلمين يمتلكون قوة التجديد الحضاري في دينهم
لذا سوف يرث المسلمون الحضارة الحالية بعد مجيء المهدي المنتظر ونزول عيسى –ع-
الأسباب السياسية :
الأسباب السياسية :
توجد أربع فئات وراء سقوط أي حضارة كما
ذكرهم القرآن : المترفون والملأ والمجرمون والمستضعفون ، وقد تتداخل هذه الفئات
فتشكل فئة واحدة تتصف بالترف والإجرام ، ففئة الملأ فئة مترفة تساعد فئة المجرمين
في إحلال الفساد او السقوط وتفرد القرآن بالفئة الرابعة تمثل عنصر انحلال المجتمع
وهي فئة المستضعفين .
فئة المترفين :
وقد أطلق القرآن على التجار أنهم مترفين
وهؤلاء التجار مقربون من السلطة وتمسك بزمام اقتصاد البلد وتستفيد السلطة من أموال
التجار عن طريق الضرائب ونتيجة للضغط على التجار فأن أكثرهم يهرب أمواله خارج
البلد بل ويكيدون للسلطة ، أو يحاول التجار المزارعون أخذ الأراضي بالقوة لزيادة
الإنتاج وتظهر فئة العاطلين بعد فقدهم أراضيهم وانتقالهم إلى المدن بحثاً عن العمل
والزرق وقد يعني هجران المدن والانتقال إلى مدن جديدة بموت مدينة وإحياء مدينة
وهذه المدن لا تستوعب أعداد المهاجرين فيزيد الظلم الاجتماعي وقد يثور العاطلون
كما يعبر التاريخ ب" ثورة الجياع "، ويسهم التجار في نشر الفساد
والميوعة بين الشباب من خلال نشر الخمور والمخدرات وأفلام الجنس .
فئة الملأ :
وتسمى علية القوم وهي أهم من طبقة التجار
وأقرب إلى السلطة بل تدير شئون البلد وتسمى طبقة الأشراف والنبلاء والوزراء وتبرز
هذه الطبقة في الأنظمة الملكية وتسهم في ظهور الطبقية في المجتمع ( القصص/ 4) وقد
يظهر التنافس بين أفراد هذه الفئة إلى درجة الاقتتال وكيد المؤامرات السياسية
فئة المجرمين: تكون صفة الإجرام عبارة عن مسخ وختم على القلب والسمع والبصر ولا يرجى لهم خيراً بل ويصدون عن سبيل الله تعالى ويكون المجرم طاغوتاً مريضا يحقد على أفراد المجتمع ، وتعتبر حالة الإجرام آخر مرحلة للسقوط الفردي ، وإذا كان طبقة المترفين والملأ تسهم في الانحراف الأخلاقي فأن طبقة المجرمين تسهم في انحراف العقيدة .
فئة المجرمين: تكون صفة الإجرام عبارة عن مسخ وختم على القلب والسمع والبصر ولا يرجى لهم خيراً بل ويصدون عن سبيل الله تعالى ويكون المجرم طاغوتاً مريضا يحقد على أفراد المجتمع ، وتعتبر حالة الإجرام آخر مرحلة للسقوط الفردي ، وإذا كان طبقة المترفين والملأ تسهم في الانحراف الأخلاقي فأن طبقة المجرمين تسهم في انحراف العقيدة .
فئة المستضعفين :
الاستضعاف نوعان نوع متمثل في النساء
والأطفال والشيوخ ( النساء/ 75) ونوع متمثل فيمن ذمهم تعالى في ( النساء/ 97،
والزخرف/ 54-55) كما في المسلمين الذين لم يهاجروا بل خرجوا مع قريش في حرب
المسلمين وقد يحمل بعض المستضعفين صفة الإجرام وقد يخضعون للطاغوت ويسمى الاستضعاف
الداخلي مثل سلب حرية الرأي أي تابعين للطاغوت في الأفكار ( غافر/ 29) وهناك
الاستضعاف الخارجي عندما يرى المستضعفون قوة الطاغوت على انه لا يهزم ، وكل
الاستضعاف يؤدي إلى أن يصبح الطاغوت " صنما" كما يقول تعالى على لسان
فرعون : { أنا ربكم الأعلى } .
للأسف أكثر الناس تدخل
ضمن فئة الاستضعاف وتشكلهم أجهزة الأعلام وفق أهواء الطاغوت وكما قال أحد الكتاب :
في كتابه " المشكلون لسلوك الشعب " من الممكن استخدام معارفنا المتطورة
لاستعباد الناس بطريقة لم يحكم بها أحد من قبل بإلغاء شخصيتهم المتميزة والسيطرة
عليهم بوسائل يتم اختيارها بعناية بحيث لا يدركون أبداً أنهم فقدوا شخصيتهم ( مجلة
العربي الكويتية العدد 339 ص 138 )
الأسباب الاقتصادية :
الاقتصاد والغنى لهما دور في طمع الطامعين
بثروات البلد كما هو الحال في هجمات المغول على الأمصار الإسلامية وأسقطوا الخلافة
العباسية في 656ه< كذلك الحال
بالنسبة البرابرة الذين هجموا على الإمبراطورية الرومانية وأسقطوا روما 410م ، إن
هجرة الصناع ونقل أسرار الصناعة لها دور في تقوية العداء وتفوقهم على البلاد كذلك
الصناعة كما حصل في انتقال أسرار الصناعة الذرية على يد عالم ألماني إلى الولايات
المتحدة الأمريكية فتفوقت على ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية .
الأسباب الاجتماعية والثقافية :
هجرة الفلاحين من القرى إلى المدن لها تأثير
على حياة الناس وعلى ازدياد سكان المدن والضغط على المرافق العامة وعلى الخدمات
وإلى تزايد العاطلين عن العمل ولجوء بعضهم إلى الجريمة ، وظهرت عادات مثل السهر
والجلوس في المقاهي الشعبية والثرثرة ولعب النرد ، وأتأثر المثقفون بالثقافة
الأوربية ، وأصبح المسلم يركن إلى زخارف الدنيا وزاد تعلقه بهذه الزخارف جاء في
المأثور: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِثَوْبَانَ: " كَيْفَ أَنْتَ يَا ثَوْبَانُ، إِذْ
تَدَاعَتْ عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ كَتَدَاعِيكُمْ عَلَى قَصْعَةِ الطَّعَامِ
تُصِيبُونَ مِنْهُ ؟ " قَالَ ثَوْبَانُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ،
أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا ؟ قَالَ: " لَا، بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ،
وَلَكِنْ يُلْقَى فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنُ " قَالُوا: وَمَا الْوَهَنُ ؟
يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: " حُبُّكُمُ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَتُكُمُ
الْقِتَالَ ( رواه احمد في مسنده )
خاتمة
:
سقوط الحضارة تناوله المؤرخون قديما وحديثا
واجمعوا على حتمية السقوط الحضاري كذلك حذر الأنبياء والصلحاء من هذا السقوط ،
وهناك سقوط الفرد وهو انحرافه عن جادة الحق وهناك سقوط الجماعة والأمة أي تدهور
مظاهر الحضارة ونزول العذاب المادي والمعنوي على أفراد الأمة ، ومفهوم الحضارة في
النظر القرآني هي اٌلإقبال على الدنيا وزخارفها إلى حد الإسراف عكس الاستخلاف أو
التسخير كما حث عليهما تعالى ، ودراسة الحضارة المعاصرة ومظاهرها عبارة عن التركيز
على زخارف الدنيا والتركيز على النعم الدنيوية وظهور الاستكبار النفسي والإسراف
حتى يصل الإنسان والجماعة إلى مرحلة الختم ( حالة الإدمان ) وهي من مظاهر السقوط
الحضاري
وقد ترث أمم حضارة الغرب الحالية ولكنهم لم يجددوا في مظاهرها لأن حضارتهم امتداد لحضارة الغرب ، ولكن نحن بانتظار حضارة جديدة تدعو إلى التوحيد وتركز على عمليتي الاستخلاف والتسخير و إلى الاستعداد للموت وتعتبر الحياة ممر إلى عوالم أخرى بعد الدنيا .
وقد ترث أمم حضارة الغرب الحالية ولكنهم لم يجددوا في مظاهرها لأن حضارتهم امتداد لحضارة الغرب ، ولكن نحن بانتظار حضارة جديدة تدعو إلى التوحيد وتركز على عمليتي الاستخلاف والتسخير و إلى الاستعداد للموت وتعتبر الحياة ممر إلى عوالم أخرى بعد الدنيا .
المراجع :
القرآن الكريم
في ظلال القرآن سيد قطب
مسند أحمد
في فلسفة التاريخ ، أحمد محمود صبحي
التفسير الإسلامي ، عماد الدين خليل
كتاب أساسيات العلوم الذرية الحديثة في التراث الإسلامي
بروتوكولات حكماء صهيون
مجلة العربي الكويتية العدد 339
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق