السبت، 26 أكتوبر 2013

عالم ما بعد الموت _ 1

كتاب عالم ما بعد الموت
الباحث / عباس سبتي

مقدمة :
     الموت مرحلة من مراحل التكامل يمر بها الإنسان شاء أم أبى ، ولا  يعرف عن الموت وأسراره إلا القليل وهذا هو السبب من القلق بالموت وما ينتظرالإنسان من مصير مجهول بعده .
     يدرك الإنسان بفطرته إن كل كائن ميت ولكن القليل من يعتقد أن الإنسان لا يفنى بانتهاء دورة الحياة على الأرض والانتقال إلى عالم آخر .
     بعض الأقوام السابقة أنكروا فكرة البعث وجادلوا أببياءهم على هذه الفكرة وهم يعتمدون على الظن بأن الحياة الدنيا هي حياة الإنسان التي يعيشها فقط في الدنيا وبموته ينتهي الإنسان كما ظن الدهريون { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر } (الأحقاف /24) .
     تشير الإحصائيات الحديثة التي ظهرت في الستينات من القرن الماضي أن قلق الموت قد لازم الإنسان الأوربي بالذات بسبب طغيان المادية على الجانب الروحي  في حياة المجتمعات الغربية .
     الإنسان البدائي يؤمن بالموت وقد دلت المخلفات الآثارية على هذا الإيمان وان تصوره عن الموت أعمق عن الإنسان الأوربي في بعض الحالات ، وقد يربط بعض معتقدات الإنسان البدائي خاصة الموت منها بالسحر والأساطير ، وهناك من يعتقد ان الروح تبقى بعد الموت وتظهر للأحياء في الأحلام كما بالنسبة للإنسان الياباني البدائي .
     ينتقل الإنسان بعد الموت إلى عالم أوسع من الدنيا ويسمى هذا العالم بعالم البرزخ أوعالم الروح حيث يختلف طبيعة جسم الإنسان عن جسمه المادي لاختلاف هذا العالم عن عالم الدنيا ، وان عالم الروح محيط بعالم الدنيا وتحس الأرواح انها تعيش كما عاشت في الدنيا وتحس بالأشياء المادية هناك لكن هذه الأشياء من اللطافة والرقة بحيث نحن سكان  الأرض لا نشعر بها .
     هناك فارق بين عالم القبر وعالم البرزخ ولكل عالم خصائصه لذا جاء في البحث الفصل بين العالمين .
     ويتناول هذا البحث عالمي الموت القبر وعالم البرزخ فقط وأما عالم القيامة بعد البرزخ سوف يعالج في بحث منفصل .


عباس سبتي
غرة شعبان 1430 هج
23 يوليو 2009م








الفصل الأول : المدخل : مفاهيم ومصطلحات

مفهوم الموت :
     يوجد تصوران عن مفهوم الموت ، تصور بسيط عام يؤمن به غالبية الناس وهو عبارة عن خروج الروح من الجسد المادي وتوقف الحياة والحركة لهذا الجسد ومواراته  التراب .

     وتصور مركب وهو عبارة ان الإنسان يبدأ حياة جديدة وثانية بعد ان انتهت حياته الأرضية في عالم آخر ، يعتبر الموت مرحلة انتقال من عالم إلى عالم آخر .

     عرف الإنسان الأول أو الإنسان البدائي أو المنقرض مفهوم الموت وسبب حدوثه وقد بقى عند الميت فترة من الزمن إلى أن يتعفن جسد الميت فيخرج من عنده وهو حزين ويغير مكانه أي أنه يبقى عند الميت ولعل ذلك في اعتقاده بالموت وأن الإنسان لا ينتهي بالموت ، وقد فسر بعض المؤرخين أن الإنسان الأول يأكل لحم البشر لوجود العظام البشرية في الكهوف التي عاشها هذا الإنسان ، على الرغم من أن بعض الآخر ينكر ذلك ( 1 ) وقد يكون الإنسان الأول يرى تجربة الموت في غيره فيعرف أنه ميت لا محالة وأن وجوده على الأرض محدود وينتهي بعد أن يؤدي دوره الذي حدده خالقه له ،ويتمثل هذا الدور في عملية التكاثر وحفظ النوع البشري من الانقراض ( 2 ) .

     هناك من يقول أن الإنسان البدائي يعتقد أن الموت عبارة عن نتاج عمل عدو أو تأثيره الشرير على بني جنسه مثلما تعتقده جماعة البوشمن في أدغال أفريقيا ( 3 ) وهذا الرأي لا يصمد أمام الحقيقة القائلة وهي أن الإنسان الأول الذي وجد منذ مليون سنة لا يمكن مقارنته بإنسان قبيلة البوشمن ومن جهة صحيح أن جماعة البوشمن شأن أي جماعة بشرية تكره الموت لأنه يفصل العزيز عنها إلا أن الموت حكم مؤكد على بني البشر الأوائل والحاليين .

     توجد أدلة تاريخية على أن الإنسان الحجري قام ببناء الأضرحة الضخمة في العصر الحجري الحديث لدفن الموتى ( 4 )  واستمرت هذه العادة مع بني آدم لكن يقول بعض المفسرين ما كان قابيل يعلم ستر جسد أخيه المقتول وأنه اول مقتول في الأرض  ( 5 ) هل معنى ذلك أن الأجناس البشرية السابقة تعرف كيف تدفن موتاها وتبني القبور بينما بني آدم وهم أفضل منها ولهم دور في عمارة الأرض ولهم السيادة في الدين لم يعرفوا ؟ وكيف كان هابيل أول قتيل على الأرض بينما القرآن يذكر ان هناك قتالاً أو حروباً وفساداً  على الأرض قبل خلق آدم ( البقرة/30) ؟ وما قصة الغراب الذي بعثه الله تعالى ليعلم قابيل مواراة سوأة أخيه ( والسوأة هي الجثة التي فارقتها الحياة ويسري فيها العفن ولا تستسيغها النفوس ( 6 ) .

     الجواب هو أن قابيل قام بأول تجربة (قتل ) لم يعرف نتائجها فانبهر وهو يجد اخاه ميتاً أمامه وندم على فعلته " فأصبح من النادمين " ( المائدة/ 31 ) ومن أثر صدمة العمل لم يدر ما يفعل وأثر إبليس عليه مثلما زين له قتل أخيه وانساه تجربة الأجناس السابقة في دفن الموتى ، وليوحي إبليس للبشر الذين يعيش آدم وذريته معهم أن آدم وذريته لا يختلفون مع هؤلاء وليس لهم عقل متفوق وعلم راسخ " وعلم آدم الأسماء كلها " ( البقرة/ 31 ) وذلك بعد أن مكن تعالى إبليس على هذه الأجناس بعد نزوله على الأرض للقيام بمهامه وهي الإغواء والتزيين ، وكان إبليس يهدف سلب الاحترام والتقديس من الأجناس البشرية السابقة لآدم وذريته لكن لطف الله تعالى وتدخله أن بعث غراباً يعلم ويذكر قابيل كيفية مواراة الميت وحتى لا يتأثر نظر هؤلاء الأجناس بفعله ( 7 ) .

     وظهرت عدة مفاهيم عن الموت في الغرب ، حيث نقل الإنسان الأوربي عن الإنسان الأوربي البدائي تصوره عن الموت ، ان الموت يمنع الاتصال بالأحياء ، ويقول اليونانيون ان الموت هو الشر الأعظم بينما يقول " كريون " ان الموت رهيب للغاية ومخيف وان الإنسان يكون في أعماق الجحيم ، بينما يعتبر فيثاغورس ( 572- 497 ق. م ) الموت عبارة عن تناسخ الروح ، الروح تسجن في الجسم ثم تغادره عند الموت وبعد فترة التطهر تدخل الجسم مرة أخرى وهذه العملية تتكرر (8) .

     وأما تصور الموت عند اليهود ، فهو ليس إلا الشر الأعظم نتيجة خطأ الإنسان ، وجاء في العهد الجديد ( الأنجيل ) عن مفهوم الموت انه اعظم الأعداء وأسوءهم ولكن لا يمكن قهره إلا عن  طريق بعث الموتى في يوم القيامة  (9) .

     وردت كلمة الموت في القرآن حوالي (52) مرة ، وهذا التكرار يدل على ربط الإنسان بالحياة بعد الدنيا والاستعداد للموت  ، ويعتبر الموت والإحياء سنة كونية تشمل الإنسان وغيره من الكائنات بل حتى الأرض تحيا وتموت ( يس /34) ، وقد يكون الموت عبارة عن رجوع العبد إلى ربه ، وتقال هذه العبارة "إنا لله وإنا إليه راجعون " عند نزول الموت بالإنسان ، والموت والإحياء عبارة عن الابتلاء في الدنيا ( الملك /1-2) .

     في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر ظهرت الحركة الروحية في أوربا وذلك بهدف دراسة الروح بعد الموت ، وحياة الإنسان التي لا تنتهي بانتهاء موته ، ويقول انصار هذه الحركة الروحية ان الروح هي عبارة عن الجسم الأثيري الذي يطابق في الشكل الجسم الفيزيقي ( الترابي ) وهي التي تجعل هذا الجسم الفيزيقي يتماسك ن وما الموت إلا انفصال الجسم الأثيري عن الجسم المادي والترابي ويحمل معه العقل او النفس في العالم الآخر .


قالوا عن الموت :
     قال رسول الله (ص) : أيها الناس ان لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وان لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم وأن العبد ببين مخافتين بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به وبين آجل قد بقي لا يدري ما الله قاضي فيه .

     وفي خطبة لرسول الله (ص) : أيها الناس كأن الموت فيها على غيرنا قد كتب وكان الحق فيها على غيرنا قد وجب وكأن الذي نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون ... وأضاف فرحم الله امرءاً  نظر لنفسه ومهد لرمسه ما دام رسنه مرخى وحبله على غاربه ملقى قبل أن ينفذ اجله وينقطع عمله (10) .

     وعن الإمام علي ما رأيت إيماناً مع يقين أشبه منه بشك على هذا الإنسان أنه كل يوم يودع إلى القبور ويشيع وإلى غرور الدنيا يرجع وعن الشهوة والذنوب لا يقلع فلو لم يكن لابن آدم المسكين ذنب يتوقعه ولا حساب يقف عليه إلا موت يبدد شمله ويفرق جمعه ويؤتم ولده لكان ينبغي له أن يحاذر ما هو فيه بأشد النصب والتعب  (11) .

     كتب عمر بن عبدالعزيز إلى أناس من أصحابه : بعد الوصية بتقوى الله ,, فالله الله عباد الله اذكروا الموت الذي لا بد منه واسمعوا قول الله تعالى كل نفس ذائقة الموت " ( آل عمران / 185 )  وقوله تعالى فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ..(13  ) .

     قال القرطبي : الموت هو الخطب الأقطع والأمر الأشنع والكأس التي طعمها أكره وأبشع وأنه الحارث الهادم للذات ( 14) .

     قال بعض الحكماء بأن الموت موتان موت إرادي وموت طبيعي وكذلك الحياة حياتان حياة إرادية وحياة طبييعة ، وعنوا بالموت الإرادي إماتة الشهوات وترك التعرض لها وبالموت الطبيعي مفارقة النفس البدن ، وعنوا بالحياة الإرادية ما يسعى له الإنسان لحياته من المآكل والمشارب والشهوات وبالحياة الطبيعية بقاء النفس الأبدية بما تستفيد من العلوم الحقيقية (16 ) .

     قال الذاكرون للموت على أصناف فمنهم المنهمك في اللذات المنكب على الشهوات فهو أن اتفق ذكره للموت تأسف على دنياه واشتغل بمذمته ويزيده ذكر الموت من الله بعداً ، ومنهم التائبون الذين يكثرون ذكر الموت لينبعث من قلوبهم الخوف والخشية وربما كرهوا الموت قبل التوبة ، ومنهم العافون الذي يكثرون ذكر الموت لأنه موعد للقاء الحبيب والمحب ، ومنهم المفوضون وهم الذين يفوضون أمرهم إلى الله سبحانه ولا يختارون لأنفسهم موتاً ولا حياة وأحب الأشياء إليهم ما يختار لهم ربهم ( 17 )  .


 حكمة الموت :
     يتساءل المرء لماذا قضى الله عز وجل على بني آدم الموت ؟

     ولماذا عصى آدم ربه حتى خرج من النعيم الخالد لا يفنى فيه إلى الدنيا فيها نصب وتعب ومرض وموت ؟

     في الحقيقة يجب ان يدرك الإنسان ان الإجابة عن هذه الأسئلة تحتاج أولاً إلى معرفة هدف الحياة بمعنى لماذا خلق الله عز وجل الإنسان الذي يمثل رمزاً من رموز الحياة الواهبة .

     يقول تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ( الذاريات /56 ) .

     إذن الهدف هو العبادة ومعرفته تعالى وهي مظهر من مظاهر العبادة ، لكن هل يحتاج الله تعالى إلى هذه العبادة وهو الغني عن العالمين ؟

     الجواب الإنسان هو الذي يحتاج إلى ربه ، لماذا ؟؟ ليتكامل في دورة الحياة ، فهو يعيش في عالم ثم ينتقل إلى عالم وهكذا ..

     يقول تعالى : { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } ( الملك /2 ) .

     يفهم من الآية إن هدف خلق الإنسان هو الابتلاء ، فالإنسان الذي يحصل على شيء ما دون تعب ودون ابتلاء لا يحس بطعمه وأهميته ، ولكن إذا سعى وتحرك لنيل هذا الشيء فأنه يشعر بالسعادة لأنه ظفر به .

     بعد هذه المقدمة نقول أن الموت هو لصالح الإنسان ذلك ليعرف أنه إنسان وليس إله وأنه خاضع لقوانين فهو بشر وأن الموت ينال منه مثلما ينال من غيره ، وإذا عرف الإنسان ان وراءه موت ومصير قد لايعرف مآله ، فأنه يردع عن المعاصي او لايخرج عن دائرة الطاعة والخضوع التام لله .

     إن تركيبة وطبيعة الإنسان من مادة وروح ، وان المادة تركن إلى الدنيا أو ما يعبر عنه القرآن الانكباب والإخلاد إلى الأرض ، يقول تعالى ": ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه " ( الأعراف/ 176) كما بالنسبة لأهل المعاصي ن فهم يبحثون عن خلود زائف في هذه الدنياوينسوا أن الخلود لا يكون إلا في عالم الآخرة .

     والخلود ليس من طبيعة المادة الزائلة ولكن من طبيعة الروح ، وإذا فكر الإنسان في الدنيا بالخلود فأن ذلك يعني انه يعاني من الكبر والتجبر وهي من صفات الإله وليس من صفات البشر ، ولعل بالموت والمرض والفقر قد يجعله يعود إلى صوابه ويعرف أنه ضعيف وانه هالك ويبقى معه عمله وسعيه بعد الموت ، يقول تعالى : { وإن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى } ( النجم / 39-40 ) .

     وأخيراً ان العقل في إطاره المادي ( المخ ) لا يستطيع أن ينطلق ويتحرر ليصل إلى الكمال إلا بالموت .


 حالات بين الموت والحياة :
     هناك حالات يتعرض لها الميت وهو يغادر عالم الدنيا وهي لحظات حرجة وصعبة على الميت وهي لحظات بين الموت والحياة .


حالة الاحتضار :
     استقبال القبلة وأداء الحقوق التي في رقبته كالعبادات والديون المالية و العينية ، وقراءة بعض الأدعية المخصوصة .


سكرات الموت :
     يقول تعالى : { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } ( ق/19 ) في شرح الآية الاولى الحيد العدول والميل على سبيل الهرب والمراد بسكرة الموت ما يعرض الإنسان حال النزع إذ يشتغل بنفسه وينقطع عن الناس كالسكران الذي لا يدري ما يقول ولا ما يقال له ( 23) .

     حالات سكرات الموت حالات غير مرئية وغير ملموسة بالحواس المادية لأنها حالات تمس الجسم المثالي ( الروح ) .


قبض الروح :
     من يقبض الأرواح ؟

     جاء في القرآن الكريم ان القبض ينسب إلى الله عز وجل ، وقد ينسب إلى ملك الموت ( عزرائيل ) وينسب إلى بعض الملائكة ( 27 ) .

     وقد يرى الإنسان أن الكافر تقبض روحه بيسر فيعتقد سلامة عقيدته ، لكن أن المنظر الخارجي لا يعني سهولة قبض روح الكافر ، وقد يهون على الكافر عند الموت بسبب عمل معروف عمله في الدنيا ، لذا قد يتعرض المؤمن إلى شدة سكرات الموت لتكميل إيمانه ورفع درجته (28 ) إذا كان الميت من أهل الطاعة تولت ملائكة الرحمة قبض روحه ، وإذا كان الميت من أهل المعاصي تولت ملائكة العذاب قبض روحه ، هذا ولملك الموت أعوانه من هؤلاء الملائكة ، قيل لملك الموت كيف تقبض الأرواح وبعضها في الشرق وبعضها في الغرب وفي ساعة واحدة ؟ قال : ادعوها فتجيبني ، ونقل عن ملك الموت : إن الدنيا بين يدي كالقصعة بين يدي أحدكم يتناول منها ما يشاء ، والدنيا عندي كالدرهم في كف أحدكم يقلبه كيف شاء (29 ) .


تجسيم الأعمال :
     إن حالة الموت ليس بالأمر الهين كما يظن بعض ، إذ أنها من الحالات الصعبة التي لا يعرفها إلا من يمر بها أي يكون من الأموات ، وتظهر علامات على وجه المحتضر مثل احمرار الوجه او اسوداد الوجه ، والخوف من فقد الأموال والنعم والجاه .

     الإنسان الكهل الذي يغادر الدنيا قد يرى أعماله وتصوراته أيام شبابه لأن هذه التصورات معه لكنه نسيها بعد أن هرم ، وتظهر هذه التصورات والأماني والمعتقدات في الذاكرة فيتذكرها في عالم بعد الموت –البرزخ – روى المجلسي عن النبي أنه قال : المسلم إذا ضعف من الكبر يأمر الله سبحانه الملك أن يكتب له في حاله تلك ما كان يعمل وهو شاب نشيط ( 30 ) .

     روي أن شاباً في حالة النزع الأخير والاحتضار قد حضر عنده النبي (ص) فقال له النبي (ص) قل :" لا إله إلا الله " لم يستطع ان يقولها ( وأن ينطق بالشهادتين )  فقال له النبي (ص) ماذا ترى ؟ قال : أرى رجلاً أسود قبيح المنظر وسخ الثياب نتن الريح قد أخذ بحنجرتي ، فاستدعى النبي (ص) أمه وقال لها إذا لم ترضى عن ولدك فأن مصيره إلى النار ، فرضيت الأم عن ولدها فتغير المنظر فقال : أرى رجلاً أبيض اللون حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب ، ثم توفي الشاب ( 32 ) .

     يفهم فيما سبق أن الحسنات تتمثل بالبياض وهو رمز الطهارة والقداسة وأن السيئات تتمثل بالسواد وهو رمز الخبث والضلال .


مراسم الدفن :
     توجد مواقف مشتركة في حياة الإنسان أثناء تكامله وسيره إلى ربه خلال العوالم المتعددة  ، هناك موقف الولادة وموقف الوفاة وموقف البعث والنشور والحساب والميزان وتطاير الكتب و... .

     في حالة الولادة يبكي الجنين وهو يستقبل أهله الذين يفرحون بقدومه ، بينما في حال احتضاره بل في موته يحزن أهله وهم بقربه وقد يحزن هو أيضا إذا كان من أهل المعاصي وقد يفرح بعض اهله الذين يطمعون بماله وثروته بعد موته .

     لحظة ولادة الإنسان يغسله أهله وهذا الغسل عبارة عن التطهر واستقبال عالم الدنيا وفي حال الوفاة يغسل الميت وهو ينتقل إلى عالم ما بعد الموت وهو على التطهر والتهيؤ في عالمه الجديد .

     يلف المولود بخرقة ( قماط ) كذلك عند موته وانتقاله من الدنيا يكفن ، ويؤذن في أذن المولود اليمنى ويقام ( الإقامة ) في أذنه اليسرى وهو يستقبل الحياة الدنيا ليتذكر المولود خالقه ومنعمه فيقر بالشهادتين ليكون مسلماً ، وأما المتوفي فالتلقين عملية تذكير وتذكر وهي عبارة عن الإقرار بالوحدانية والنبوة والمعاد .

     وعند وضع الرضيع في مهده ويربط برباط يشبه ذلك وضع الميت وهو في لحده ، فالمهد رمز لأول منازل الدنيا واللحد او القبر رمز لأول منازل الآخرة .

     هذه المراسم التي تجرى على الميت يستفيد منها في عالمه الجديد ويتعظ الأهل والأصدقاء ، ولذا جاء في المأثور أن النبي (ص) قال عند قبر قد وارى صاحبه تواً " يا اخواني لمثل هذا اليوم فاستعدوا ( 37) .


 غسل الميت :
     بعد موت الإنسان يبدأ أول مرحلة من مراحل الدفن وهي غسل الميت ، ويشترط في الغاسل البلوغ والإيمان أي يكون  مسلما  والمماثلة بين المغسل والميت في الذكورة والأنوثة .


آداب غسل الميت :
     وضع الميت على مكان مرتفع ونزع قميصه ومن أطراف رجليه أو فتقه عند رضى الورثة وغسل الميت تحت السقف وما شابه وتليين أصابع الميت ومفاصله برفق وغسل يدي الميت قبل الغسل في كل مرة إلى نصف الذراع ثلاث مرات وغسل رأسه برغوة السدر وأن يكون الغاسل مشغولاً حال الغسل بالذكر والاستغفار .

     الغسل يأخذ بعدين بعد مادي وهو غسل البدن وهذا الغسل له أثر على الميت ولو أن جسده يوارى في التراب وهذا يشبه من يغسل من الجنابة والحكمة من غسل كل البدن في حال الجنابة ان المني يتكون من جميع الأطعمة الموجودة في الدم والذي ينتشر في جميع بدن الإنسان (38) .

     واما البعد المعنوي للغسل وهو أن الإنسان يتكون من جسم آخر غير هذا الجسم المادي والترابي ويسمى القالب المثالي وهو يشبه الجسم المادي والذي سوف يحيا بهذا الجسم المثالي في عالم البرزخ ، وهذا البدن سوف يتطهر بعد خروج الروح من البدن المادي أو انفصال الجسم المثالي عن الجسد المادي ، وعند وصول الجسم المثالي إلى عالم البرزخ يكون طاهراً أي أنه خرج من الماديات وتلوثاتها ليستقبل الحياة البرزخية كما أن الجنين عند ولادته يتطهر من وسخ ونجاسة رحم أمه ليستقبل عالم الدنيا ، وهناك حكمة اخرى وهي أن غسل الميت معناه خروجه من ذنوبه ولكن ليس كل الذنوب ، لأن الذنوب الكبيرة لا تغتفر إلا بشروط .

     ولا بأس بذكر نكتة وهي إن طهارة الجسم يتم بالغسل والوضوء ، أما الغسل فهو من الجنابة والعادة الشهرية وبعض أنواع الاستحاضة والنفاس بالنسبة للنساء ، وأما الوضوء فهو من النوم الغالب حيث أن النوم يشبه الموت ، وبخروج البول والغائط والريح من جسم الإنسان أي ان مادة البول والغائط مثل المني وهي مكونة من الأطعمة التي يتناولها الإنسان من اجل قوام بدنه فهو يتطهر بالوضوء لخروج هذه المادة من جسمه .

     ومن الحكمة أن تحريك وتدليك البدن أثناء الغسل أنه يساعد على خروج الروح أو الجسم المثالي باتجاه واحد وبهدوء (39 ) .

     وعند الغسل يقال أن الجسم المثالي ينظر إلى غاسله ويقال أيضا أن هناك ملكاً يرشد الروح حتى يقبر (40  ) .


تكفين الميت :
     يكفن الميت بثلاث قطع :
     الأولى : المئزر وهو ما يستر بين السرة والركبة .
     الثانية : القميص وهو ما يستر بين المنكبين ونصف الساق .
     الثالثة : الإزار ويجب أن يغطى تمام البدن .

     ومن شروط التكفين : الإباحة فلا يجوز التكفين بالمغصوب والطهارة وان لا يكون من الحرير الخالص ولا يكون مما لا يؤكل لحمه أو من جلد مما يؤكل لحمه .


ومن آداب التكفين :
     جعل العمامة للرجل وجعل المقنعة للمرأة وأن يكتب الشهادتين واسماء الأئمة ودعاء الجوشن الكبير والصغير .

     والحكمة من التكفين وكما قلنا في المقدمة أن المولود الذي يأتي إلى الدنيا يلف بخرقة مثلما يلف الميت بكفن وهو ينتقل إلى عالم البرزخ والسر أن الإنسان يأتي عرياناً أي ليس له شيء ولا يملك شيئاً وأن الله عز وجل يتفضل وينعم عليه حتى لا يتكبر ، وإذا غادر الدنيا فهو يغادرها عرياناً أي أنه لا يأخذ شيئاً من حطام الدنيا سوى عمله فلماذا الانكباب على زخارف الدنيا وهي تنتقل إلى غيره ؟
     ومن فلسفة العري أن الله تعالى يستر على عبده الذي فضحته ذنوبه فيرحمه عند مغادرة الدنيا ، وليتذكر هذا العبد أن الذنوب تحط من قدر ومنزلته وتجعله هيناً في نظر الناس فلماذا يذنب ؟

     وهذا آدم –ع- عندما عصى انكشفت عورة ذنبه وعصيانه لربه يقول تعالى : { فدلهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما أن الشيطان لكما عدو مبين } ( الأعراف / 22) ويبين تعالى ان أفضل اللباس هو لباس التقوى ( الأعراف /26 ) وهذا يدل على ان الذنوب تكشف عيوب الإنسان وان التقوى والطاعة من مكفرات هذه العيوب .


تحنيط الميت :
     والتحنيط عبارة عن مسح مساجد الميت السبعة ( الجبهة وباطن الكفين والركبتين وإبهامي الرجلين ) بالكافور ( 41 ) والحكمة من ذلك أن تحنيط هذه المواضع عبارة عن تطهيرها وتزكيتها ولتشهد انها أعضاء طالما لا مست التراب وهي في العبادة ولتشهد النفس بالذل ثم أنها أفضل الأعضاء في جسم الإنسان وتقول الأرض لهوام الأرض الموكولة بتحلل الجسم : إن هذه الأعضاء لها ميزة خاصة فلا تمسوها ، وقد لا ندرك قيمة هذه الأعضاء إلا بعد الانتقال إلى عالم البرزخ ثم إلى عالم القيامة .


الصلاة على الميت :
     النية ووجود الميت واستقبال المصلي القبلة وأن يكون الميت إلى جهة يمين المصلي ورجلاه إلى جهة يساره وأن يكون الميت مستلقياً على قفاه وان يقف المصلي خلف الميت ولا يكون بين المصلي والميت حائل ( حاجز ) وأن يكون المصلي قائماً والموالاة بين التكبيرات والأدعية في الصلاة وأن الصلاة تكون بعد الغسل والتحنيط والتكفين  وقبل الدفن وأن يكون الميت مستور العورة وأن يستأذن من ولي الميت بالصلاة عليه .


 التشييع :
     هو حمل الميت أو الجنازة إلى مثواه الأخير ، وجاء استحباب إخبار المؤمنين بموت المسلم لتشييعه ، وجاء في فضله روايات :

     عن نبي الإسلام (ص) من شيع جنازة له بكل خطوة حتى يرجع مائة ألف ألف حسنة ويمحى عنه مائة ألف ألف سيئة ويرفع له مائة ألف ألف درجة .


التلقين :
     وهو إتقان الميت بالشهادتين وأصول الدين ويجب التلقين باللغة العربية وهذا يدل على إحاطة الميت باللغات الأخرى وبالذات العربية لمن لم تكن لغته الأم العربية .


 الدفن :
     وهو المرحلة الأخيرة لمشاهدة الأحياء الميت قبل دفنه ثم يختفي عن أنظارهم بدفنه تحت التراب ( 50 ) وتكمن فلسفة دفن الميت في أمور : منها يؤمن على جسد الميت من السبع وغيرها ، عدم إيذاء الأحياء برائحته ، لأن الإنسان كله عيوب وكما قيل أن الإنسان أصله نطفة ونهايته جيفة فيجب عليه أن يعرف مبدأه ومعاده وكما أن الجيفة تصدر منها الروائح النتنة ويتأذى الأحياء من هذه الروائح وقد تنتشر الأمراض بينهم .


 التعزية :
     من المستحبات المؤكدة تعزية أهل الميت وتسليتهم ، وتوجد روايات عند الفريقين بهذا الخصوص فعن رسول الله (ص)   :" ما من مؤمن يعزى أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة " ، وعنه أيضا :" من عزى مصاباً فله مثل أجره .

     وكان فيما ناجى موسى ربه أنه قال : يارب ما لمن عزى الثكلى قال : أظله في ظل يوم لا ظل إلا ظلي ( 54 ) .





الفصل الثاني : عالم القبر

مقدمة :
     ارتبط الإنسان بأمه وأصله وهو الأرض وله علاقة بها فهو يترعرع فيها ويقوم بالأنشطة المختلفة عليها ويأخذ غذاءه منها ويبني مسكنه عليها ، ويأخذ الثروات الطبيعية منها كمقومات لصناعاته ، وارتباط الإنسان بالأرض لها دلالة بطبيعته المادية وبعنصره الترابي إلى درجة بعض يسرف في هذا الارتباط إلى درجة الانكباب والركون إلى الدنيا ونسيان الآخرة .

     بعد الموت يرجع بدن الإنسان إلى الأرض وإلى التراب فعرف الإنسان القبر كمأوى لإيواء بدنه ، والتاريخ يحدثنا على أن الإنسان عرف كيف يدفن موتاه بالفطرة { ثم اماته فأقبره } ( عبس/ 21 ) .

     لا ينقطع الإنسان بعد موته عن قبره ، وكثيراً ما نسمع أن الميت قد رجع إلى الدنيا ورجع إلى قبره وهناك من أمر بترميم قبره ، صحيح أن البدن المادي يندثر ويفنى ولكن الأصح ألا يهمل قبر الميت باعتبار وبحجة ان الإنسان بروحه ، لذا جاء حث الشارع المقدس بالاهتمام بالقبر ليعيد الإنسان حساباته بأنه فان وبانه لا بد ان يترك الدنيا شاء أم أبى ، ومن مظاهر اهتمام الشارع المقدس بالقبر التأكيد على زيارة القبور ، فقد جاء في الأثر ان الرسول الأكرم (ص) كان يكثر من زيارة " البقيع " فهو من جهة يريد أن يهتم المسلمون بزيارة القبور ومن جهة أخرى ينبه على  دنو أجله ، كان قبره (ص) مأوى الصالحين من أهل بيته وملجأ المؤمنين فيتزودوا بهذا القبر الشريف كل معاني الأخلاق والرحمة والشفاعة والمحبة .

     إن القبر أول منازل الآخرة لما يلقيه الميت من أهوال بعد انتقاله إلى عالم البرزخ ، هناك وحشة القبر وهناك المساءلة في القبر وهناك ضغطة وهناك تجسيم الأعمال  كل ذلك سوف يأتي تباعاً في الصفحات المقبلة .

     ارتباط الميت بعالم الدنيا وبأهله يقل كلما تكامل في عالم البرزخ  وكلما انتقل إلى المستويات العليا هناك فهو في شغل وتكامل فلا يعود كما سيأتي في الفصل القادم .

     وقد يعرف بعض عالم القبر بعالم البرزخ لكن في هذا البحث المتواضع نحاول ان نبين بعض الملامح لهذين العالمين للفرق بينهما ، أهم ما يقال أن عالم القبر عالم يرتبط بعالم الدنيا لكن مدته قصيرة وعذابه مؤقت .


مفهوم القبر :
     قيل القبر هو تلك الحفرة الضيقة التي لا أنيس بها ولا جليس وقيل هو ذلك المكان الذي يضم بين جوانبه الجثث الهامدة التي لا حراك لها وقيل هو بيت الهوام والديدان ، وقيل هو موطن العظماء والحقراء والحكماء والفقراء والحلماء والسفهاء وقيل هو مكان لمحكمة السؤال والمناقشة والاختبار والمراجعة ، وقيل هو إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار (1) .

     القبر عبارة عن حفرة تحفر في الأرض لوضع الميت فيها وقد يعمل له لحد وهو عبارة عن شق في جانب من القبر في جهة القبلة لوضع الميت فيه ، والقبر ساتر لبدن الميت والذي يعتبر كله عيوب فمن جهة تصدر منه الروائح الكريهة بعد تعفن الجسد ومن جهة ينحل ويتحلل هذا الجسد ومن جهة يرجع البدن إلى أصله وهو التراب .

     وللقبر مرادفات متعددة استخدمت في كل زمان ومكان حسب وعي الإنسان وفكره وعقيدته ، من هذه المرادفات : الجدث والجدف والرمس والريم والشق والحفير والضريح والرجم والجنن والمنهال (2) .

     ويقول أهل العرفان القبر نوعان : القبور الترابية وهي أوعية الأجسام الميتة وحفرها ، والقبور المتماثلة وهي أفراد الإنسان الذي هو نوع واحد (3) .

     توجد علاقة بين قيام الساعة وبعث الموتى من القبور ، وهي علاقة ترابطية بمعنى عندما تقوم الساعة أي القيامة يخرج الموتى من قبورهم وهذا يفند رأي الكفار الذين ينكرون البعث وإحياء الموتى ( الحج /7 والانفطار /4 ) ويبين الله تعالى رأي الكفار بأهل القبور القائل الموت هو عدم وفناء ، ويبين تعالى أن هناك فرقاً بين الأحياء والأموات ، وان الحياة والموت ليس هو عدم من الناحية الظاهرية ولا من الناحية الباطنية أي أن الميت بروحه  حي ، ولو أن قلبه ميت وهو يعيش بين الناس ،   والقلب هنا الحالة الإيمانية ،   وقد يكون القبر عبارة عن نقطة او بؤرة لتركيز الفكر حيث أن هذا العامل مهم لدى الموتى ، حيث يركز فكره بالأحياء الذين يزورونه ( 10) .


  تاريخ القبور :
     المتتبع لتاريخ الإنسان قديماً وحديثاً يرى ان الناس اهتموا بالإنسان حياً وميتاً ، اهتم الإنسان الأول بميته أكثر من اهتمامه بنفسه ، حيث بنى المباني الضخمة ( المعايد ) .

     فبقيت على مر الزمان بينما اندثرت الوحدات او البيوت السكنية ، وهذا يعني انه يفكر هذا الإنسان بالحياة بعد الموت ، ويقال ان الإنسان الأول بنى القبور قبل ان يسكن القرى ووضع مع الميت أدواته الخاصة ووضع الميت على الجانب الأيمن ولف بالحصير او جلود الحيوان (12) .

     المعبد عبارة عن مكان عبادة وإجراء طقوس الدفن للموتى ونتيجة لزيادة نفوذ الكهنة في الأسرة المصرية الرابعة أعفوا بعض المعابد من الضريبة ، وظهرت مجموعة من التعاويذ السحرية والرقى لأناس عاديين كما في نهاية الأسرة السادسة ونهاية الأسرة الثامنة عشر وبعد ان كانت هذه التعاويذ خاصة لعائلة الملك ، وتهدف هذه التعاويذ والتعاليم إلى حماية الموتى من مخاطر عالم ما بعد الموت (13 ) .

     وجدت في المقابر صور عليها خريطة لعالم الآخرة لإرشاد الموتى ، في كتاب " السبيلين " جاء فيه " ويسلك المتوفي طريقين فالأول على الماء والثاني على اليابس وبينهما  نار مشتعلة وعلى الميت أن يسير دون ان يلتفت يمنة او يسرة ، وفي الطريقين توجد اهوال كثيرة من مخلوقات مخيفة تواجه من لم يتحصن بـ " رقية " وعلى الميت أن يتلو الرقية حتى يهيأ الحراس له طريقاً نحو جنات " أوزوريس " عند ذلك تنعم روحه التي ترافق الشمس في رحلتها إلى شرق الدنيا ومنها إلى غربها ، ثم تأوي الروح إلى العالم السفلي كل مساء ( 14 ) .

    اهتم الإسلام بالقبر كمعلم من معالم الآخرة وكما قيل القبر أول منازل الآخرة ، منذ بدء تاريخ بني آدم حكى القرآن ان الإنسان عرف أن يقبر ميته عن طريق غراب وقد مر ذلك سابقاً ، يقول تعالى : { فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي ، فأصبح من النادمين } ( المائدة/31 ) (17) .

     اتخذ المسلمون مكاناً لدفن موتاهم وهو ما يعرف بالمقبرة ، بينما أهل الكتاب اتخذوا مقبرة خاصة بهم وهم يعيشون في كنف وظل دولة الإسلام ، وقد يكون ذلك أن الأرواح تجتمع في مكان حسب عقيدتها وتصوراتها عن الحياة وما بعدها .

     دفن المسلمون موتاهم في البقيع ، وكان نبي الإسلام (ص) يزور البقيع ويكلم الموتى ويدعو لهم   وذلك ليعظ المسلمين وليذكرهم بالآخرة وعالم ما بعد الموت ، ويقال أنه إذا اشتد عليه الحزن والغم ذهب إلى مقبرة البقيع فكانت سنته جارية وإلى الآن .

     زار النبي (ص) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ( نقلاً عن صحيح مسلم في جواز البكاء على قبر الميت (19 ) .

     لما دفن عثمان بن مظعون دعا رسول الله (ص) بحجر فوضعه عند رأس القبر وقال يكون علماً ليدفن إليه قرابتي ، وجاء في مورد آخر من البحار : فوضعها أي الصخرة عند رأسه وقال : اعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي (20 ) .

     روي عن النبي (ص) انه عندما حضرته الوفاة قال لعلي   يا علي ادفني في هذا المكان وارفع قبري من الأرض أربع أصابع ورش عليه الماء ، وفي رواية " أدفني في البقعة التي أقبض فيها (21 ) .


     أجمع علماء المسلمين إلا من شذ منهم على زيارة سيد الخلق محمد (ص) وذكر تقي الدين السبكي المتوفي 766هج على استحباب زيارة سيد الأنام في كتابه " شفاء السقام في زيارة سيد الأنام " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق