الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

لأغوينهم أجمعين _ 1




لأغوينهم أجمعين
الباحث عباس سبتي
يونيو 1998م

     ينقسم بحث " لأغوينهم اجمعين " إلى قسمين : خصصت قسما  في البحث عن اليهود وكيف أنهم أصحاب الغدر والمكر ، تحت مسمى " عهد الإغواء " و قسم  آخر تعرضت إلى النكسات أو الابتلاءات او ما يسمى بالملاحم والفتن التي تتعرض لها البشرية بعد الحروب وبالذات الحرب الكونية القادمة وما تفرزها هذه الحرب من شخصيات لها دور في إغواء الناس او هدايتها .


مقدمة:
     جاءت كلمة " الإغواء " في القرآن في عدة موارد منها إغواء إبليس لبني آدم في سورتي : الحجر آية 39 وسورة ص آية 82 ، تبدأ قصة الإغواء عندما رفض إبليس أن يسجد لآدم فطرد من رحمة الله تعالى وأصبح من الغاوين ، وتوعد إبليس أن يغوي الناس .
     السعادة والشقاء مرتبطتان بقضية الابتلاء ، فإذا جهل الإنسان هذه القضية فأنه يفشل كما فشل إبليس ، للأسف الإنسان الفاشل يلقي اللوم على الاخرين كما ألقي إبليس اللوم على آدم وبنيه وأنهم سبب طرده من الرحمة الإلهية .
     في التاريخ نقرأ أن بني إسرائيل مروا بتجارب عدة وأكثرهم فشل في الابتلاء وألقوا اللوم على أنبيائهم بل وعلى ربهم وأخذوا يحقرون الآخرين بعد أن جعل تعالى فيهم الأنبياء وفضلهم على عالمي زمانهم بل وتفضلوا على الناس مما لعنوا على لسان داود وعيسى .
     بدأ الاتفاق - إن صح التعبير – بين أعوان الشيطان وشرذمة من بني إسرائيل من أجل إغواء الناس وإرضاء سيدهم " إبليس " ، واستعان نفر من اليهود برجال من الجن وباعوا أنفسهم للشيطان وقاموا بأدوار سيدهم في تحريف الأديان ، وهم يتربصون ببني آدم ، والقرآن يركز على قصص بني إسرائيل  واستعراض تاريخهم من أجل بيان خطورتهم على المسلمين ومستقبل البشرية في آخر الزمان .

تاريخ بني إسرائيل :
     يرتبط تاريخ بني إسرائيل بالأنبياء الذين أرسلوا إلى بني إسرائيل وسموا بأنبياء بني إسرائيل ، وتنسب بنو إسرائيل إلى النبي يعقوب –ع- الذي حمل لقب " إسرائيل" وهاجرت أسرة يعقوب إلى مصر أيام الجفاف الذي أصاب مصر ومكثت حوالى 400 سنة منذ النبي يوسف وإلى عهد النبي موسى وقد تحسنت احوال بني إسرائيل أيام النبي يوسف في دولة الهكسوس الذين حكموا مصر من 1785 وإلى 1580ق.م (1) .
     جاءت الأسرة الثامنة عشر والأسرة التاسعة عشر بعد الهكسوس في  حكم مصر وبدأ الوضع يتغير لغير صالح بني إسرائيل ، واعتقد بعض أفراد هاتين الأسرتين وجود علاقة بين الهكسوس ( وهم من الشعوب الأسيوية ) وبني إسرائيل إلى جانب لم يخضع بنو إسرائيل لعقيدة المصريين وهذه الأسباب ساعدت على اضطهادهم على يد حاكم مصر خاصة في عهد رمسيس الثاني الذي كان جبارا عتيا وكان يخلد أعماله بتشييد الآثار المعمارية حيث سخر بني إسرائيل في أعمال البناء وزاد ضغطه عليهم بعد أن اخبر المنجمون زوال ملكه على يد احد الإسرائيليين وأخذ يذبح اطفال بني إسرائيل ( القصص/4 ) حتى خشيت حاشيته من انقراض بني إسرائيل وقلة أعداد العمال الذين يعلمون في البناء .
     بعث تعالى موسى نبيا إلى بني إسرائيل لإنقاذهم من بطش فرعون مصر أيام فرعون " مرنتاح" الذي خلف رمسيس الثاني في عرش مصر ، وقد تناول القرآن قصة بني إسرائيل مبينا الظلم الذي وقع عليهم وإلى أن خرجوا من مصر تحت قيادة موسى خاصة السور المكية التي تهدف تربية الجيل المسلم المعاصر للدعوة الإسلامية وهذا الجيل يحتاج إلى الإقتداء بنماذج من جهاد الأنبياء واتباعهم وصبرهم على أذى قومهم ، وكيف ان تعالى انقذ بني إسرائيل بعد ان صبروا وجعلهم امة تقود بقية الأمم في زمانهم إلى الهداية الإلهية ، لكن بني إسرائيل غفلوا سنة إلهية وهي ان تعالى يربي عباده كي يتكاملوا ويعرفوا الهدف من خلقهم لهذا ارتدوا على اعقابهم بعد ان عبدوا الأصنام او عبدوا عجل السامري ( الأعراف / 138-148)  ولاموا نبيهم موسى وأخاه هارون في صحراء سيناء ، وتقاعسوا عن تطهير الأرض المقدسة من المشركين (المائدة/20-26) وجود أمة وقائد لا بد من وجود أرض لإقامة كيان سياسي وهذا ما أمرهم تعالى بتطهير الأرض المقدسة في فلسطين  لإقامة هذاا لكيان ، وكان أن عاقبهم تعالى بعد عصيان أمر نبيهم التيه في صحراء سيناء (40) سنة حتى جاء نبي جديد وهو يوشع بن نون الذي قاد بني إسرائيل لفتح الأرض المقدسة (2) وجاء بعد هذا النبي قضاة الذين حكموا بني إسرائيل وعلى رأسهم شمشون الجبار ، وانهزم اليهود في أواخر عهد القضاة على يد الفلسطينيين لإنحرافهم وحبهم للدنيا وظهر زعيم جديد في بني إسرائيل وهو " شاول" او " طالوت" وقادهم في هزيمة الفلسطينيين ( البقرة/246) تولى داود قيادة الجيش بعد موت طالوت ، وانقسم بنو إسرائيل إلى قسمين قسم اتبع داود فأصبح ملكا على ( حبرون ) أي مدينة الخليل وقسم اتبع ابن طالوت ونشبت حروب بينهما فقتل ابن طالوت في إحدى المعارك وأصبح داود ملكا على بني إسرائيل (3) وكانت المناطق المحيطة بمملكة داود تنتشر فيها مظاهر الفساد والانحراف (4) ورث سليمان مملكة داود وجعله تعالى نبيا لبني إسرائيل وتوسعت مملكته وانضمت مملكة سبأ إلى مملكة سليمان على شكل حلف ، ولما توفى سليمان في حدود 975ق.م ،  انقسمت مملكته إلى مملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها أورشليم واستمرت حتى عام 586ق.م  وسقطت على يد البابليين ، ومملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها ( شكيم ) واستمرت حتى عام 721ق.م وسقطت على يد الأشوريين (5) في هذه الفترة ظهرت مجموعة من الأنبياء في بني إسرائيل هدفهم المحافظة على شريعة موسى وكان أول هؤلاء الأنبياء ( عاموس) الذي عاصر المملكتين وكان ظهور قبل سنة 750ق. م وكان يدعو إلى الوحدانية بعد تاثر بني إسرائيل بالوثنية وتنبأ بسقوط المملكتين ، وظهر نبي آخر وهو ( أشعيا ) الأول في حدود سنة 710ق.م وعاصر حصار الأشوريين لمملكة إسرائيل وعاصمتها ( سامرة أو شكيم ) وكان سقوطها في 722ق.م وطلب من ملك ( يهوذا) أن يقف موقف الحياد وذلك لقوة وبطش العدو (6) وجاء النبي (أرميا) بعده وعاصر سقوط مملكة (يهوذا) وندد بحياة الترف والميوعة وتنبأ بسقوط أورشليم مثلما سقطت سامرة أو شكيم عاصمة مملكة إسرائيل وكادوا يقتلون هذا النبي وهرب ولكنهم قبضوا عليه وسجنوه ولما سقطت اورشليم أحسن إليه البابليون وذهب مع الأسرى إلى بلاد الرافدين (7) وقام بنشر تعاليم الرب في الأسر بين اليهود وتنبأ بمجيء المسيح المنتظر وبين لهم فلسفة التاريخ وارتباط الفساد الخلقي بزوال النعم وفق سنن الله تعالى وبشر اليهود بالعودة إلى فلسطين (8) .
     وظهر النبي ( حزقيل) بعد ذلك ودرس الأسفار المقدسة وطهرها من تحريفات الكهنة وواصل تربية بني إسرائيل في الأسر وبشرهم بقرب العودة إلى الأرض المقدسة ( 9) وظهر النبي (أشعيا ) الثاني وبث في بني إسرائيل روح الأمل والارتباط بالله سبحانه (10) واستهدفت حركة الأنبياء في عصر السبي البابلي وما بعده : المحافظة على شريعة موسى وبناء الهيكل والاهتمام به والمحافظة على الأمة اليهودية من التنافس الدولي وتربية اليهود ورفع معنوياتهم أمام الأزمات وفهم فلسفة التاريخ ) .
     أصبح اليهود تابعين لغيرهم بعد سقوط مملكة يهوذا خاصة أيام الأسر وعند سيطرة الفرس على بابل وأيام اليونانيين الذين ورثوا الامبراطورية الفارسية حوالى 330ق.م ولم تقم لليهود دولة قوية على الرغم من أن الفرس عينوا في بعض الأحيان واليا لهم على فلسطين وفي هذه الفترة ظهر علماء لبني إسرائيل مكملين مهمة الأنبياء وصمدوا أمام الفلسفة اليونانية التي تمجد العقل فقط وتلغي دور الوحي الإلهي ، هذا تأثر بعض اليهود بهذه الفلسفة (11) وجاء بعد اليونانيين السلوقيون الذين ورثوا امبراطورية اليونان بالشام وامر ملكهم بهدم هيكل سليمان فقاد الكاهن المكابي اليهودي المقاومة ضد السلوقييين فسيطر على أورشليم ما بين سنة 167ق.م -36ق.م (12) .
     وقعت الشام تحت الحكم الروماني عام 64ق.م ولقي الرومان مقاومة من اليهود في أورشليم وانهزم اليهود عام 57ق.م وقامت ثورة ضد الرومان عام 49ق.م ولكن لم يستمر اليهود في المقاومة أيام الملك الروماني ( تيطس) (13) .
     وظهر عيسى ابن مريم في بني إسرائيل وجاء لإزالة الفساد والانحلال عن المجتمع الإسرائيلي وكان هناك عدة طوائف لليهود مثل الفريسيين والآسيين والغلاة والسامرة (14) وقد حارب عيسى ابن مريم الكهنة وتآمروا عليه مع الرومان فأنقذه تعالى منهم ( النساء/157) وتأثرت الديانة النصرانية بالفلسفة اليونانية والرومانية هذا ( فيلو) وهو من الفلاسفة اللاهوتيين اليهود ونادى ان الإنسان عبارة عن روح ومادة وان الروح تتوق إلى الله ولما كان الله لا يحده عقل لا بد من وسيط يربط بين المحدود واللامتناهي وهذا الوسيط هو الكلمة التي وصفها أنها أول ابن مولود لله (15) انتشر أنصار المسيح في أوربا وبالذات في روما  إلى ان كانت ديانة الامبراطورية الرومانية النصرانية .

أحوال اليهود :
مر اليهود بعدة أدوار وأحوال :

الحالة الدينية :
     ظهر عدة أنبياء في اليهود من أجل إصلاح الانحراف في أمة اليهود حتى عد اليهود كثرة الأنبياء في بني إسرائيل دليل على أفضليتهم على الأمم ، وأنهم شعب الله المختار ، ووعدهم ربهم بأرض الميعاد او الأرض المقدسة .

     قضية الشعب المختار : كيف طرح القرآن مفهوم ( وهو فضلكم على العالمين ، البقرة/  122  ) هناك بعدان لقضية الشعب المختار : البعد الديني والبعد النفسي ، وسيكون الحديث هنا عن البعد الديني ويؤجل الحديث عن البعد النفسي عن الحالة النفسية لليهود ، فضل تعالى اليهود أيام أنبيائهم كي يقوموا بنشر دينه في أرجاء الأرض ، لكن بعد سقوط مملكة سليمان ظهر التنافس بين الأشوريين والبابليين والعيلاميين على بلاد الشام (1) لذا لم يعد بنو إسرائيل يحملون لقب ( تفضيلهم على العالمين ) بعد تقاعسهم وانتشار الظلم والفساد فيهم وقتلهم الأنبياء وأصبحوا تابعين لهذه الامبراطوريات التي حكمت بلاد الشام ، ولو أن الأنبياء واتباعهم من اليهود كانوا فئة مستضعفة إلا أنها صمدت أمام الانحراف العقيدي والأخلاقي ( الأعراف/159) واستغل اليهود وعد الله سبحانه ذرية إبراهيم في الأرض المقدسة كما جاء ذلك في الكتاب المقدس  لكن تعالى سلب من اليهود مسئولية حمل الرسالة نتيجة لتقاعسهم وجمودهم وطرح القرآن مفهوم الاستبدال كما في قوله تعالى:" يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم "( محمد /38) ولعل انحراف الأبناء اليهود وعدم قيامهم بنشر دين الله سبحانه من أسباب سلب أمانة حمل الدعوة ، ووكل تعالى المسلمين بهذه المسئولية .

     من هم الكهنة؟ الكاهن باللغة الذي يتنبأ ويعمل بالمغيبات وتعني كلمة الكهانة تسخير الجن من أجل الاطلاع على بعض الأمور الغيبية (2) وكان الكهنة مرتبطين بدور العبادة ولعل منصب الكهنة ظهر بعد عصر النبي إدريس وبعد انتشار الفساد في بني آدم وكان دور الكاهن مساعدة الأنبياء لإرشاد الناس وشفاء المرضى والتنجيم وإجراء مراسم الدفن ( 3) وظهر الكهنة في بني إسرائيل بعد تقسيم مملكة سليمان وفي كل مملكة كهنة ومعظمهم من أبناء ( ليفي) أحد أبناء النبي يعقوب وبعض قال أن وظيفة الكهنة وراثية في نسل هارون (4)  وكان لهم دور في تحريف الكتاب المقدس واستغلوا لفب " الشعب المختار" كي يرثوا الأنبياء في توجيه وقيادة اليهود .

     قضية أرض الميعاد : إذا كانت قضية الشعب المختار قد ترسخت في اليهود بعد خروجهم من مصر فإن قضية أرض الميعاد ارتبطت في أذهانهم عندما كانوا في الأسر البابلي وبعد بشارة أنبيائهم بعودتهم إلى فلسطين ، وقد أصدر قورش امبراطور فارس بعودة اليهود إلى أرضهم بعد أن احتل بلاد الرافدين وبلاد الشام عام 538ق.م ( 5) هناك من اليهود من آثر بالبقاء واشتغلوا بالزراعة التجارة (6) .
     استغل الكهنة ظروف السبي في ترسيخ قضية أرض الميعاد معتمدين على بشارات الأنبياء ، وأن السبي عبارة عن تطهير لليهود ولتكون إسرائيل جاهزة للسيطرة على العالم وقيام دولة عالمية أو مملكة ( يهوهـ)  (7) ولو أن بشارات الأنبياء عبارة تربية لليهود في مواجهة التحديات السياسية وأطماع الامبراطوريات المجاورة للشام كذلك بث روح الأمل كي يكون اليهود أمة تدعو إلى دعوة التوحيد بقيادة قائد أو المخلص أو"  الماشيخ " (8) .
     أرض الميعاد لا تضم فلسطين فقط بل تضم أراضي خارج فلسطين كما جاء في التوراة :" في ذلك اليوم قطع الرب على أبرام ( إبراهيم) ميثاقاً قائلاً لنسلك اعطي هذه الأرض من نهر مصر ( النيل) إلى النهر الكبير ( الفرات) (9) ولعل الكهنة كانوا متأثرين بعظمة بابل كدولة عظمى تضم العراق والشام ومصر فتمنوا هذه الدول ، وأن إبراهيم قد هاجر إلى هذه المنطقة (10) ولعلهم استندوا على أساس ديني وهو مهم في نظرهم إذ يريدون القضاء أنصار الأديان الأخرى بعد ان عرفوا من أخبار المنجمين ظهور أديان تنافس اليهودية في المنطقة ، وخلقوا ملاحم بطولية تتحدث عن وراثة اليهود لمنطقة الشرق الأوسط مثل ملحمة : إن الرب يقول أن ثلثين من البشر ينقرضان والثلث يكون تابعاً لليهود وأما الأرض المقدسة فلن يسكنها احد من الغرباء (11) وضع زعماء اليهود مخططاً للدولة المرتقبة لهم ولتصبح إسرائيل إمبراطورية عظمى تضم فلسطين والأردن وسوريا ومصر والسودان والحبشة ومكة والمدينة (12) .

الحالة النفسية :
     البعد الثاني لقضية الشعب المختار هو البعد النفسي ، فالله تعالى يريد وفق مشيئته تربية الناس من خلال الابتلاء ، حيث يصطفي فردا أو أمة ليقوما بدور نشر دين التوحيد ، و اختار تعالى اليهود لهذه المهمة بعد ان اصطفاهم بين الأمم ، لكن اليهود استكبروا على الأمم وتقاعسوا حمل مسئولية الدعوة إلى الله تعالى وتولد في نفوسهم " الاستكبار النفسي " يحكي تعالى في محكم كتابه :" نحن أبناء الله وأحباؤه " ( المائدة/111) بل تمادوا أن الله تعالى لا يعذبهم إلا أياما معدودة إذا أذنبوا وأن الجنة خلقت لهم ( البقرة/80) ، واستكبروا على بقية الناس بأنهم من سلالة الأنبياء وأن تعالى اختار الأنبياء من اليهود لذا أنكروا نبوة عيسى ومحمد (ص) ويعتقدون أنهم من سلالة إبراهيم وهي سلالة طاهرة وأن نفوسهم تنبثق من جوهر الله كما ينبثق الولد من جوهر أبيه (13) .

     العوامل التي ساعدت على ظهور الاستكبار النفسي في بني إسرائيل : أن دينهم أفضل الأديان والجنة خصصت لهم والنبوة متوارثة فيهم فقط وأنعم تعالى عليهم النعم الكثيرة دون غيرهم من الأمم .
     تأثر بعض الكهنة من اليهود أثناء وجودهم في بابل أيام السبي بالدارسين لعلوم التنجيم من البابليين وتتلمذوا على أيديهم ، ولا بد من ان البابليين قد تعلموا علم التنجيم من الجن الذين يسترقون ( يستمعون ) أخبار السماء ( الجن/9) لتحقيق أهداف سيدهم ( إبليس ) ( 14)،  وذكر بعض أن السحر كان أيام النبي سليمان كما في آية 102 من سورة البقرة حيث أن الشياطين اسندوا السحر إلى هذا لنبي الذي سخر له تعالى الجن والأنس والوحش والطير  ، وارتبط السحر بالكهانة وقد جاء من معاني الكاهن : الساحر الذي يشتغل في المغيبات ومن طرق معرفة الغيب دراسة النجوم ، وأخذ اليهود هذا العلم من البابليين ، واحتكر الكهنة علم السحر وأسراره بعد ذلك ويعتبر كتاب " التلمود " أهم مصادر كتب السحر عند الكهنة وجاء في التلمود: أن أحد مؤسسي المذهب التلمودي اليهودي كان بمقدوره أن يحيي الإنسان بالسحر بعد قتله ( 15) وجاء في التلمود أيضا ان الأرواح الشريرة من الشياطين والعفاريت من يطيرون في كل اتجاه ليعرفوا أحوال المستقبل باستراق السمع (16) ويحكي القرآن كذلك محاولة الجن معرفة ما يدور في السماء وذلك قبل بعثة النبي (ص) (الجن/9)ويقول تعالى:" وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ( فصلت/ 25) ووصل بالكهنة إلى درجة الانحطاط بعد أن تنازلوا عن شريعة موسى من أجل  نعم دنيوية وخضعوا لسحرة بابل ، وهذا مصداق قوله تعالى :" وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ( الجن/6) .
     لقد مر الإنسان اليهودي بأزمات ادى ذلك إلى فقد الثقة بنفسه وبربه وسلم أمره لقرينه من شياطين الإنس والجن ، فالظروف التي عاشها اليهود منذ كانوا مسخرين وعمالا في مصر وأيام انقسام المملكة اليهودية بعد سليمان –ع-  والهزائم التي لحقت بهم على يد الأشوريين والبابليين ، جعلت هذه الظروف بعض اليهود ينحرف ويتبع خطوات الشيطان وأوامر السحرة في بابل ، وأوحى السحرة إلى أوليائهم من اليهود بطلان الأديان ودعوات الأنبياء ، وكان هدف السحرة تحطيم الإنسان اليهودي الذي كان بالإمكان أن يلعب دورا بنشر عقيدة التوحيد في عالم الشرك والوثنية لكن هذا الإنسان فشل بعد ان باع نفسه للسحرة البابليين .
     يعقد  الساحر عقدا مع الشيطان ليكون تابعا له مثل السحرة البابليين الذين كانوا خاضعين للشياطين ، وهؤلاء السحرة لقنوا اليهود ألواناً من علم التنجيم والسحر ، جاء في كتاب " السحر" : على الساحر أن يخرج في الليل ويبتعد عن العمران ويختار احد الأماكن المهجورة ويخلع ملابسه كلها ثم يرسم دائرة كبيرة وينقش داخل الدائرة وخارجها أشكالا ورموزا وأسماء الأرواح الخبيثة والشياطين ويوقد شمعتين ثم يرقص داخل الدائرة حتى يبلغ غاية التعب ثم يجلس ويتلو التعاويذ وينشد ويلوح للشيطان في الفضاء بالعقد وبعد برهة يظهر مندوب الشيطان ويعطيه  ويأمره بالحضور في حفل تعميده والعقد ليس ضربا من الخيال فقد صرح المحامي ( موريس جارسون ) في محاضرة له في معهد علوم ما وراء الطبيعة عام 1929م : إن أول عمل يقوم به الساحر عند تحالفه مع الشيطان وظهوره الأخير لمقابلته له لأول مرة هو تحرير ميثاق أو عقد ينص فيه ان يبيع الطرف الأول للطرف الثاني ( الشيطان) روحه ونفسه ومتاعه وكل ما يملك نظير ان يمنح الطرف الثاني القدرة والمقدرة لإتيان  الأعمال السحرية (17) .
     هناك اعتراف خطير على وجود تحالف بين رجال اليهود ( الكهنة ) وبين الشيطان كما يقول البرت وهو زعيم ماسوني كبير في خطاب له موجه إلى المحافل الماسونية عام 1889م حيث قال: يجب أن نحتفظ ببقاء عقيدتنا الدينية التي يعتقد فيها الشيطان إلها لأنه لا يمكن إلا أن يوجد إلهان متقابلان والشيطان هو إله النور والخير الذي يكافح لجل الإنسانية ضد الله إله الظلام والشر (18) ، أما متى تم هذا العقد بين الشيطان ورجالات اليهود من أجل إغواء البشر وجرهم إلى هاوية الجحيم ؟ ذلك غير معروف تاريخيا وإنما وجدت فرصة سانحة لهم أثناء تواجدهم في بابل ومارسوا أعمال السحر وساهموا في تحريف التوراة على الرغم من أن هذا التحريف كان بعد انقسام مملكة سليمان ، إلا أن الكهنة ساهموا في  التحريف الثاني في التوراة حيث ان اليهودية تعد الديانة الوحيدة أنذاك في المنطقة لذا خطط  أعوان الشيطان في تحريفها (19) وأمر الشيطان اعوانه الكهنة الانصياع لسلاطين زمانهم من الكفرة الذين حكموا الشام وعصيان أوامر أنبياء بني إسرائيل .

الحالة السياسية  ( التنظيمية) :
     عندما بعث عيسى ابن مريم إلى اليهود لم ينصاعوا لدعوته فخاطبهم : أيها اليهود أنتم أبناء االشيطان وستنفذون شهواته (20) وتآمر اليهود ضد عيسى ووشوا به إلى الوالي الروماني بالشام وأصدر المجمع الديني الأعلى حكما ضده (21) يعد هذا المجمع من أعلى أجهزة النظام الديني اليهودي الذي ظهر في عصر خلفاء الاسكندر ويتكون هذا المجمع من الحاخامات اليهود ولعل هؤلاء الحاخامات كانوا يديرون  شئون اليهود منذ أيام السبي البابلي وكان لهم دور في التصدي لدعوات الأنبياء بل وقتلهم وعلى رأس هؤلاء الأنبياء زكريا ويحيى وعيسى الذي كادوا أن يقنلوه لكن الله تعالى رفعه ( البقرة/102) .
     بعد تحريف الديانة اليهودية وصل الدور إلى الديانة النصرانية التي انتشرت في بلاد الشام ومصر وأوربا تغلغل الفلاسفة اليهود من أمثال ( فيلو) الذي مر ذكره في الديانة النصرانية ودراسة الأفكار والمباديء فيها ونادى ان للإنسان مادة وروحا وان الروح تتوق إلى الله ولما كان الله لا يحده عقل فلا بد من وسيط بين المحدود ( الإنسان واللامحدود وهو الله وهذا الوسيط هو الكلمة التي وصفها بأنها أول ابن مولود لله (22)، وحاول ( بولس) الذي كان رجلا يهوديا أن يوفق بين النصرانية والفلسفة الإغريقية ، اخذ مجمع نيقية الأول المنعقد عام 325  ، وسيطرت البابوية في العصور الوسطى على أوربا الغربية بعد الفراغ السياسي الذي صاحب سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية وجه اليهود رماحهم اتجاه كيان البابوية لإضعاف النصرانية ، ونادى ( مارتن لوثر ) بإصلاح أوضاع الكنيسة والحد من سلطة البابا وسميت حركته بحركة الإصلاح الديني في أدبيات عصر النهضة الأوربية فظهرت الكنيسة البروتستانية بعد انشقاقها عن كنيسة الأم إلى جانب الكنيسة الكاثوليكية هناك الكنيسة الأرثوذكسية ، في هذه الفترة نادى المفكرون بالحرية الدينية والتشكيك بالكتاب المقدس والتركيز على العلوم المادية ورفض الإيمان بما وراء الطبيعة ومن هؤلاء المفكرين اليهود وذلك للطعن في النصرانية وصل الأمر أن اعتلى عرش البابوية شخص ينحدر من صلب السيدة ( ليجان ) اليهودية واسمه البابا وانتسب منذ الصغر إلى الكنيسة وتدرج في مناصب الكهنوت حتى انتخب حبرا أعظما قبل الحرب العالمية الثانية وكان على صلة مع كبير الحاخامات في مدينة ميلانو الذي علمه العبرية وأوصى قبل موته انتخاب الكردينال باسللي خلفا له لأنه كان من أنصار اليهود جاء في فقرات البروتوكول السابع عشر :" اليوم تسود حرية العقيدة في كل مكان ولن يطول الوقت إلا سنوات قليلة حتى تنهار المسيحية .. سنحارب الكنيسة عن طريق النقد الذي كان سيظل ينشر الخلافات بينها وستفضح صحافتنا الحكومات والهيئات الأممية الدينية وغيرها عن طريق كل أنواع المقالات البذيئة   ( 23) .
     اعتمد اليهود على التنظيم والسيطرة على مقدرات الأمور في أوربا مع بداية عصر النهضة وأنشاوا منظمات سرية مثل الجمعية الماسونية ، قبل الحديث عن الماسونية لا بأس بالحديث عن البروتوكولات التي تنظم شئون هذه المنظمات  ، البروتوكولات عبارة عن وثائق سرية تدين الصهيونية بمؤامرة خلق المشكلات ضد الحكومات الأوربية وغيرها وزرع الفساد في أرجاء الأرض ، هناك من يقول ان سيدة فرنسية قد اخذت بعض الوثائق من احد زعماء اليهود وهو في خلوة معها (24) وهناك من قال ان الحكومة البافارية قد عثرت على الوثائق بطريق الصدفة عندما ذهبت إحدى جماعة النورانيين اليهودية إلى فرنسا لتدبير ثورة هناك ( 25) هناك من قال أن الشرطة البافارية قد عثرت عام 1785م في المحفل الماسوني على هذه الوثائق وفيها ان اليهود يسعون لقلب نظام الحكم في فرنسا ومن ثم في بقية الدول الأوربية ( 26) وقول آخر يقول أنه أثناء انعقاد المؤتمر الصهيوني في (بال) بسويسرا عام 1897م شب حريق في قاعة الاجتماع فخرج الصهاينة مذعورين من القاعة ، ودخل الشرطة الروسية القادمين القاعة وأخذوا الأوراق والمذكرات معهم إلى موسكو (27) وهناك قول خامس يقول أن الوثائق قد انتزعت خلسة من كتاب ضخم فيه محاضر خطب قد وجدها ( اليكس نيقولا ) وهو كبير جماعة أعيان روسيا القيصرية في مركز قيادة جمعية صهيون بفرنسا ( 28) وهناك قول أن هذه البروتوكولات  اكتشفت في عام 1785 (29) على أي حال الاختلاف في هذه الأقوال يدل على تعمد نشر هذه الأقوال لإنكارها وبعد الشبهة عن اليهود ، هذا وترجمت نسخ من البروتوكولات إلى العربية على يد محمد التونسي عام 1951م (30) بينما يقول رأي آخر أن الترجمة حصلت في عام 1929م على يد عوض الخوري البيروتي (31) .
     تعتبر البروتوكولات مضابط لجلسات سرية يعقدها الحاخامات  اليهود دوريا او كلما حلت بهم أزمة خطيرة منذ القرن السابع عشر إن لم نقل مع بداية عصر النهضة الأوربية وعدد هؤلاء الحاخامات يبلغ (300) رجلا ، وصل إلينا أربعة اجتماعات الأول بدون ذكر سنة الاجتماع وكان الاجتماع بقرب قبر أحد أبناء يهوذا (32) والاجتماع الثاني حصل في سنة 1884م وأهم بنوده تباحث الشئون اليهودية العامة ومنها بسط نفوذهم في حكومات العالم (33) والاجتماع الثالث في عام 1896 جرى اعطاء قروض للملوك مقابل رهن أملاكهم والتغلغل في المجتمع الكنسي وتشجيع الزواج من المسيحيات والسيطرة على أسواق الذهب والصحافة (34) وفي الاجتماع الرابع خطب الحاخام ( عمانوئيل رابينوفتش ) بتاريخ 12/1/1952 يجب علينا الاسراع بإعلان الحرب العالمية لنصل إلى هدفنا ويجب ان نسير على الخطة بنشر العداوة بين روسيا وأمريكا ستكون إسرائيل محايدة في الحرب ولابد من إعدام بعض كبار الرجال الذين خدمونا في روسيا وأمريكا على السواء بموجب وثائق تدينهم وقد نضطر للتضحية بعدد من اليهود كما فعلنا مع هتلر (35) ويسمى المجلس الذي يجتمع فيه الحاخامات بالمجلس اليهودي الأعلى ( 36) ويسمى هؤلاء الحاخامات ب حكماء صهيون (37) .
     اعتمد اليهود الصهاينة على عدة جمعيات لمد نفوذهم في حكومات الدول منها الماسونية والحركة الصهيونية .

     الماسونية : اختلف في نشأت جمعية الماسونية منهم قال يرجع تاريخها إلى عهد النبي سليمان (38) ومنهم من قال ترجع فكرة الماسونية إلى المصريين القدماء ومنهم من قال الفكرة ترجع إلى اليونانيين وسمى فيثاغورس الجمعية ب " جمعية البنائيين الأحرار " ( 39) هناك من قسم تاريخ الماسونية إلى قسمين قسم قديم من 751ق.م- 1517م وقسم حديث من 1717م وإلى الآن ( 40) ويقال أن بدايات انتشار الماسونية انطلقت من بحر الخزر ( القزوين ) بقرب روسيا القيصرية في ( داغستان)  وبعد قيام مملكة لليهود وذلك بعد تهود ملك الخزر في منطقة ( داغستان) وأن العلاقة بين هذا الملك وروسيا القيصرية قد تدهورت مما أدى إلى نشوب الحرب بينهما وهزيمة مملكة اليهود وتشريد اليهود إلى أوربا الشرقية (41) وأخذ اليهود يكيدون لروسيا القيصرية وقتلوا القيصر اسكندر الثاني عام 1881م (42) وهاجر ثلاثة أقطاب الماسونية إلى لندن وهناك أنشأوا أول محفل للماسونية عام 1717م (43) .
     قبل عام 1717 م كانت الماسونية تتألف من ثلاث درجات : الأولى للناس العاديين الذين يحبون الثرثرة والتباهي أمام الناس وعن طريقهم يحقق اليهود أهدافهم والثانية لليهود ولغيرهم إذا ما تخلوا عن دينهم وقدموا الخدمات لزعماء الصهيونية وأمام الثالثة فهي خاصة لزعماء اليهود .

     تنقسم الماسونية إلى ثلاثة أقسام:
1- الرمزية العامة وتتألف من ثلاث درجات : درجة المبتدي ءودرجة الشغال ودرجة الاستاذ ويكون أعضاؤها من غير اليهود .
2-   العقد الملوكي : أعضاؤها من اليهود وقد يقبل غير اليهود بعد ان يشبعوا ويؤمنوا بتعاليم التوراة .
3- الماسونية الكونية : لا يعرف مقرها ولا رئيسها إلا رؤساء محفل العقد الملوكي وكلهم يهود من بني يهوذا ( رابع أبناء النبي يعقوب ) ويسمى محفلها المحفل الكوني وعدد اعضائه تسعة أشخاص ( 44) .

     انتشرت المحافل الماسونية في الأرض فأنشئت محافل في فرنسا وإيطاليا منذ عام 1726م وفي ألمانيا عام 1744م وفي أمريكا عام 1733 ( 45) وظهر محفل ماسوني بمصر بأمر من نابليون أثناء الحملة الفرنسية عام 1798م (46) .
     لم يعرف هدف الماسونية كجمعية سرية وبسط نفوذ  الصهيونية في الحكومات إلا بعد اكتشاف مضابط اجتماعات سرية قام بها أعضاء الماسونية الكونية واعترف د. أحمد غلووش الذي انضم إلى الماسونية عام 1904م بدافع حب الاستطلاع وكان ظاهرها أنها تمثل جمعية خيرية يلقي العضو فيها كل الاحترام والرعاية سواء في بلاده أو خارجها إلا أنها في الباطن تسخر الأفراد لخدمة الصهيونية (47) لعبت الماسونية دورا في تثبيت أقدام ونفوذ اليهود في كثير من دول العالم وما نتج عن ذلك من قيام الثورات التي حدثت في لندن وباريس وموسكو من أجل تحسين أوضاع اليهود ، وعندما قرر ( بنيامين فرانكلين) زعيم الاستقلال في أمريكا عام 1789م طرد اليهود من أمريكا أنهم وراء انتشار الإباحية والسيطرة على الاقتصاد مثلما فعلوا في أوربا رفض المجلس الحكومي هذا القرار لأن بعض اعضائه من الماسون ( 48) وكان مركز القيادة الماسونية حتى أواخر القرن الثامن عشر في فرنكفورت بألمانيا ويسمى مجلس الأقطار الأربعة ( الفرانك) اليهودي لأنه مسيطر على أربعة أقطار في وسط أوربا ، وفي عام 1770م ظهرت أسرة ( روتشيلر ) وحلت محل مجلس الأقطار الأربعة وانتقلت إلى سويسرا بعد أن فضحتهم حكومة بافاريا عام 1786م بل وطاردتهم هناك فارتحلت إلى أمريكا بعد سنة 1820م (49) .

     في عهد نابليون وصل الأمر ان الانتساب إلى المحافل الماسونية يعد شرطاً للفوز بالشهرة وتقليد المناصب العليا في أية حكومة ، وعلى الرغم من ان هذه المحافل قد  حلت عام 1964م في مصر بعد تورطها وتعاونها مع الحركة الصهيونية إلا أنه لا يمنع من وجود اعضاء لها في بعض المدن المصرية يجتمعون سرا داخل وخارج مصر ( 50) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق